عبلة مرشد

تداولت الأنباء ووسائل التواصل المختلفة ما يجده إخواننا المسلمون الروهينجا من عمليات تعذيب وتهجير لهم من أوطانهم، في سلسلة من معاناة للتهجير والتطهير العرقي والديني لسكان بورما من المسلمين الذين استوطنوها منذ أكثر من ألف عام،

وقد اختلفت الرؤى وتناقض التشخيص لتلك الأقلية المستضعفة، بين إخوانهم ممن يشاركونهم العقيدة والدين حول تصنيفهم بين إرهابيين أو مضطهدين، وحتى يمكننا إنصاف تلك الأقلية القومية المسلمة، وتوضيح واقعها الفعلي، فإنه يجدر بنا إلقاء الضوء على تلك الأقلية المسلمة، بما يتوفر عنها من بيانات محلية خاصة بالدولة والسكان القاطنين فيها، وأخرى تعتمد على تقارير دولية تتصل بذلك وبما يزيح الستار عن تاريخها الغامض ويكشف واقعها الحقيقي. 
تستوطن الأقلية الروهينجيا دولة بورما أو ميانمار التي نالت استقلالها سنة 1948 بعد الانفصال عن الاستعمار البريطاني، وهي إحدى دول شرق آسيا التي تقع على امتداد خليج البنغال، ويحدها من الشمال الشرقي الصين، بينما تحدها الهند وبنغلاديش من الشمال الغربي، وتشترك في حدودها الشرقية مع كل من لاوس وتايلاند، أما حدودها الجنوبية فسواحلها تطل على خليج البنغال والمحيط الهندي، كما يمتد ذراع من بورما نحو الجنوب الشرقي في شبه جزيرة الملايو. 
وتشير بيانات الأمم المتحدة لعام (2017) إلى أن عدد سكان ميانمار بلغ (53,371) مليون نسمة، وتصل نسبة المسلمين إلى 20% بحدود 10 ملايين نسمة، بينما تشير البيانات وفقا للتعداد الحكومي إلى أن نسبة المسلمين 4% من سكان بورما في (2006)، في حين يشير تقرير حرية الاعتقاد الدولي التابع لوزارة الخارجية الأميركية إلى أن البلد يقلل دائماً من أعداد غير البوذيين في تعداد السكان، ويقدر الزعماء المسلمون أن المسلمين قد تصل نسبتهم فعلاً إلى ما يقرب من 20% من السكان، ويختلف سكان بورما من حيث التركيب العرقي واللغوي بسبب تعدد العناصر المكونة للدولة، ويتحدث أغلب سكانها اللغة البورمية، ويطلق على هؤلاء (البورمان)، بينما يتحدث باقي السكان لغات متعددة، ومن بين تلك الجماعات المتعددة جماعات الأراكان المسلمة..
وقد دخل الإسلام بورما عن طريق إقليم «أراكان» بواسطة التجار العرب في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، وذلك بعد أن انتشر الإسلام في هذه البلاد دون أي نشاط سياسي أو عسكري؛ وإنما بفضل صفات المسلمين الخُلقية العالية التي اتصفوا بها، والتي كانت سبباً في تقبل سكان أراكان للإسلام. أما مسمى «روهينجا» فهو مأخوذ من «روهانج» اسم دولة أراكان القديم، ويطلق على المسلمين المواطنين الأصليين في أراكان المحتلة من قبل دولة ميانمار (بورما)، ويقع إقليم أراكان في الجنوب الغربي لميانمار على ساحل خليج البنغال، والشريط الحدودي مع بنغلاديش، وتبلغ مساحة الإقليم حوالي خمسين ألف كيلومتر مربع، أي عُشر مساحة ميانمار تقريبا، فالروهينجا هم تلك الأقلية المسلمة المضطهدة التي استمرت في الوجود عدة قرون قبل أن تُحتل من بورما عام 1784، فأصبحت بعد ذلك واحدة من 14 ولاية ومقاطعة لاتحاد بورما – ميانمار حاليا، وتؤكد المصادر التاريخية أن مستوطنات المسلمين ظهرت في أراكان منذ وصول العرب المسلمين هناك في القرن الثامن الميلادي، ويعتقد أن سلالة المستوطنين العرب يعيشون الآن في وسط مركز أراكان، وينتمون إلى الروهينجا عرقياً إلى عائلة الشعوب الهندية المنحدرة من بنغلاديش، ولذلك لغتهم مرتبطة لغويا بلغة «شيتا كونغ» المستخدمة في الجزء الجنوبي من بنجلاديش، وقد فر الكثير منهم إلى المناطق الحدودية في الدول المجاورة ليعيشوا كلاجئين في مخيمات، سواء في بنغلاديش أو عدة مناطق داخل تايلاند على الحدود مع بورما، وتشير التقديرات الرسمية لسنة 2012 إلى أنه يوجد 800 ألف روهينجي في أراكان.
وتعدُهم الأمم المتحدة أكثر الأقليات نبذاً واضطهاداً في العالم، وقد جردوا من مواطنتهم منذ قانون الجنسية سنة 1982، فلا يُسمح لهم بالسفر دون إذن رسمي، ومُنعوا من امتلاك الأراضي، وطُلب منهم التوقيع بالالتزام بألا يكون لهم أكثر من طفلين، وحسب تقارير الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية فإن مسلمي الروهينجا لا يزالون يعانون من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في ظل المجلس العسكري البورمي منذ سنة 1978، وقد اعترفت منظمة العفو الدولية بالانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها مسلمو بورما على أيدي جماعات بوذية متطرفة تحت سمع وبصر الحكومة، وطالبت المنظمة في بيان صدر يوم 22-7-2012، بوضع حد لما وصفته بـ«المجازر والأعمال التي تتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان الأساسية»، وذلك بعد أن قيدت الحكومة بشدة حركة الروهينجيين في التنقل، كما حرمت الغالبية العظمى منهم من الجنسية البورمية، هذا إلى جانب ما يتعرضون له من القتل الجماعي والاغتصاب والضرب المبرح، وقتل الأطفال، والابتزاز والضرائب التعسفية، ومصادرة الأراضي، والإخلاء القسري، وتدمير منازلهم، وفرض قيود مالية على الزواج، إلى جانب انتشار القتل على نطاق واسع والاغتصاب وتدمير المساجد ومختلف أنواع الاضطهاد الديني، كما أنهم لا يزالون يستخدمونهم عمالاً سخرة في الطرقات ومعسكرات الجيش. 
وبعد ذلك الاستعراض الموجز لواقع إخواننا المسلمين من الروهينجا المضطهدين في ميانمار، والذين يتعاطف معهم البعيد قبل القريب، فهل هناك مجال للتشكيك في واقعهم المؤلم الذي وثقته التقارير الدولية التي غالباً ما تنحاز لغير المسلمين؟! حيث إن شدة الظلم وفداحة الجرائم المرتكبة وانعدام الإنسانية في أبسط حقوقها لتلك الأقلية المضطهدة لعقود مضت أجبرت المنظمات الدولية على الإذعان لواجبها الإنساني والدولي من خلال تقارير ميدانية متزامنة مع أحداث تشهدها تلك الأقلية لسنوات توثق وتؤكد تعرضهم للقمع والتعذيب والتهجير، وهل يتحول المضطهد إلى إرهابي؟! بينما ينال الإرهابي جائزة نوبل للسلام؟! هل هناك عدالة إنسانية دولية نشهدها في كثير من قضايانا؟! ومع ذلك فإن منظمة الغذاء الدولية حرمت 250 ألف شخص من الروهينجا من الحصول على المساعدات الإنسانية الغذائية نتيجة لأعمال العنف الدائرة هناك، فإذا لم يكن هذا هو التطهير العرقي والديني الممارس ضد الروهينجا في ميانمار وبكل وحشية وشراسة فأين هو إذًا؟! لماذا يقف بعضنا في الحلف المضاد لأمتنا الإسلامية رغم وضوح القضايا؟! أليس خذلان الأقليات المستضعفة هو خذلان لذاتنا وإنسانيتنا وأمتنا التي ننتمي إليها؟! ألا نتذكر قوله عليه الصلاة والسلام «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً»، وقوله عليه الصلاة والسلام «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، وقال «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».