عثمان ميرغني

إذا أخذنا بالتصريحات الصادرة خلال الأيام القليلة الماضية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو من المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، فإن الانطباع سيكون أن الحرب تدخل الآن مرحلة بداية النهاية، ولا سيما بعد الهزائم التي تلقاها تنظيم داعش أخيراً، والتوقعات بأنه سيطرد من معقله في الرقة، وفي محور دير الزور خلال أسابيع قليلة، ربما لا تتجاوز نهاية الشهر المقبل. لكن هل سيعني ذلك فعلاً أن الحرب السورية تدخل فصلها الأخير، وأنه سيكون بوسع السوريين بعد أكثر من ست سنوات من المعاناة والدمار أن يحلموا بعودة الاستقرار؟

كم يتمنى المرء لو يستطيع أن يقول نعم حاسمة وجازمة، وأن يعتبر أن سوريا تقترب فعلاً من نهاية المعاناة وبداية الاستقرار. لكن لا المشهد الراهن يوحي بذلك، ولا التجربة المريرة التي رأيناها في العراق تجعل المرء يطمئن بأن الإرهاب لن يعود إذا بقيت التسوية السياسية غائبة أو منقوصة، وإذا استمرت التجاذبات الداخلية والتدخلات الخارجية.

طرد «داعش» من الرقة ودير الزور لا يعني بالتأكيد أن الإرهاب قد دحر، وأنه لن يطل برأسه من جديد، كما أنه لا يجيب عن الأسئلة بشأن مناطق التوتر الباقية مثل إدلب ومصير التنظيمات الإرهابية الأخرى التي قد تغير أسماءها، لكنها لا تغير قناعاتها، وتبقى مصدر خطر ظاهر أو مستتر. فالواقع أنه حتى اللحظة ليس واضحاً ما الذي سيحدث للمناطق التي ينقل إليها مقاتلو «داعش» في إطار المعالجات والاتفاقيات الظرفية. وليس معروفاً ما إذا كانت إدلب معركة كبيرة مؤجلة، أم أن هناك خطة للتعامل مع مقاتلي التنظيمات المصنفة إرهابية أو متطرفة لإخراجهم منها بتسوية معينة، وإلى أين سيتم إخراجهم في مثل هذه الحالة.

بوتين الذي قدم هذا الأسبوع رؤيته لمرحلة ما بعد تحرير منطقة دير الزور من تنظيم داعش، اعتبر أن الخطوة التالية يجب أن تكون التحرك لتثبيت نظام الهدنة، وتعزيز مناطق خفض التوتر، وإطلاق العملية السياسية لتسوية الأزمة السورية. لكنه أقر بأن المهمة شائكة، والعمل المطلوب كبير؛ لأنه على الرغم من الانتصارات الأخيرة في الرقة ودير الزور، فإنه من السابق لأوانه الحديث عن الانتصار النهائي والقضاء على «داعش» و«جبهة النصرة» والتنظيمات الإرهابية الأخرى، على حد تعبيره. لهذا شدد على أن سوريا ستحتاج إلى مساعدة المجتمع الدولي؛ لأنه من دون هذه المساعدة ستواجه صعوبات هائلة في حل الأزمة.

دي ميستورا أيضاً شدد على ضرورة مساعدة المجتمع الدولي في التوصل إلى تسوية في تضمن مشاركة جميع المكونات السورية في حكومة شاملة، والترتيب لإجراء انتخابات «ربما في غضون عام». لكنه حذر من أن الإرهاب يبقى مصدر تهديد، مشيراً إلى الوضع في إدلب، وإلى «احتمال عودة المسلحين كما حدث في العراق» في غياب عملية سياسية تؤدي إلى تشكيل حكومة جامعة وشاملة. وكان واضحاً في الإشارة إلى أن تهميش السنة وعدم تشكيل حكومة شاملة في الوقت المناسب لضمان مشاركة الجميع بعد هزيمة القاعدة، كانا من الأسباب التي أدت إلى عودة الإرهاب أقوى مما كان في العراق.

الكلام في هذا الجانب سهل في الظاهر، لكنه يمثل العقدة الأصعب التي أفشلت كل جولات التفاوض والحوار السابقة. دي ميستورا حاول في تصريحات جدلية جديدة أمس حاول أن يرمي حجراً في بركة المفاوضات الراكدة بقوله «إن القضية هي: هل ستكون المعارضة قادرة على أن تكون موحدة وواقعية بالقدر الكافي لإدراك أنها لم تفز بالحرب؟». 

وعندما سُئل عما إذا كان يريد أن يقول إن بشار الأسد انتصر في الحرب، رد قائلاً: «لست أنا من يكتب تاريخ هذا الصراع، لكن في اللحظة الراهنة لا أعتقد أن أي طرف بإمكانه حقيقة إعلان الانتصار في الحرب». 

في هذه الجزئية الأخيرة أجد نفسي متفقاً تماماً مع دي ميستورا، فليس هناك من يستطيع أن يقول إنه المنتصر، لا بالمعايير العسكرية ولا بالمعايير السياسية. فكفة الحرب ظلت تتأرجح على مدى السنوات الماضية، ويمكن أن تتبدل مستقبلا إذا بقيت التجاذبات الداخلية والخارجية، ولم تتحقق تسوية سياسية حقيقية تستوعب كل مكونات الشعب السوري، وتراعي تعدديته وظروفه الإقليمية، وتعطي الأولوية لرفع المعاناة عن الشعب الذي تعرض لأبشع مأساة، وذاق أمرّ المعاناة خلال ست سنوات ونصف السنة، ويحتاج إلى الكثير من الصبر والدعم لإعادة إعمار ما دمرته الحرب.

التنازلات مطلوبة من كل الأطراف إذا كان لسوريا أن تتجاوز محنتها. وهناك الكثير من الدروس التي يمكن تعلمها من التجربة العراقية وما مرت به من نكسات بسبب التجاذبات السياسية، والتدخلات الخارجية، وسياسات التهميش والحسابات الطائفية، وتغليب المطامع الضيقة على مصالح البلاد والعباد. المجتمع الدولي يمكن أن يساعد سوريا في الترتيبات للتسوية والمساهمة في إعادة الإعمار، لكن الحل الحقيقي لن يحققه إلا السوريون أنفسهم إذا أحسنوا قراءة الواقع، وقدموا مصالح بلدهم، وصمموا ألا يكرروا الأخطاء العراقية.