FINANCIAL TIMES

"واتساب" يتحول إلى ملاذ آمن لظاهرة الإرهاب المالي

 

 

 

 

 

 

 

عندما تمكّن موكسي مارلينسبايك، خبير التكنولوجيا المتمرد، من جعل هيلاري كلينتون عميلة تستخدم تطبيق رسائله المُشفرة العام الماضي، أشاد بالحدث الذي صوَّره بالمثالية المعروفة عن سيليكون فالي: "أعتقد أننا في الواقع فزنا بالمستقبل نوعاً ما".
على أن "سيجنال" تكنولوجية التشفير الخاصة به، التي تدعم أيضاً تطبيق واتساب وخدمات مماثلة أخرى، كانت مثيرة للجدل بقدر ما كانت ناجحة. مليارات الناس الذين يستخدمون الآن مثل هذه التطبيقات يعملون تحت غطاء من السرية، وقد بدأنا للتو اكتشاف إلى أي مدى يُمكن أن يكون الجانب السلبي لتلك الرؤية الليبرالية من الساحل الغربي خطيرا.
كلما وقع هجوم إرهابي في هذه الأيام، فإن أحد خطوط التحقيق الرئيسة هو كيف يتواصل الجُناة؟.
على مدى الأعوام القليلة الماضية - في باريس، في لندن، في ستوكهولم - سلّطت الشرطة الضوء على دور الرسائل المشفرة عبر تطبيق واتساب.
"الظل لا يزال يهبط"، كما قال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية السابق جيمس جومي لمجلس الشيوخ في أيار (مايو) الماضي، مُشيراً إلى السرية التي تُقدّمها مثل هذه الخدمات.
الرسائل المشفرة تجعل التنصت على المحادثات ومذكرات الاستدعاء بلا قيمة، لأن الكلمات موجودة فقط على جهاز الفرد ولا يُمكن الوصول إليها من قِبل الشركات التي تُسهّلها.
السلطات في كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة ناشدت، غالباً بلا جدوى، مجموعات التكنولوجيا لمنحها وصولا "من الباب الخلفي" للبيانات المُشفرة في تحقيقات الجرائم الخطيرة، أبرزها شركة أبل بعد عملية إطلاق النار الجماعية في سان برناردينو.
كثير من النقاش تركّز حتى الآن على الإرهاب. الآن، كما أبرز مكتب التحقيقات الفيدرالية هذا الأسبوع، يبدأ التركيز على احتمال قيام الرسائل المُشفّرة بتسهيل الجرائم المالية.
التشفير مشكلة متنامية في معالجة "الاحتيال، وغسل الأموال والتداول بناء على معلومات سرية"، كما قال عميل أعلى في مكتب التحقيقات الفيدرالية لصحيفة فاينانشيال تايمز.
الأسبوع الماضي، اعترف دانيال ريفاس موظف تكنولوجيا معلومات سابق في بنك أمريكا، بالذنب لتمرير معلومات سرية حول عمليات استحواذ الشركات لمجموعة صغيرة من الرجال الآخرين.
استخدم ريفاس خدمة رسائل مُشفرة لتوصيل المعلومات السرية، وذلك وفقاً لشكوى لجنة الأوراق المالية والبورصات.
في وقت سابق من هذا العام، فرضت هيئة السلوك المالي في المملكة المتحدة أول غرامة على مصرفي بسبب مشاركة معلومات سرية على تطبيق واتساب، حيث فرضت على كريستوفر نايهاوس غرامة بقيمة 37198 جنيها لتمرير المعلومات عن صفقات سرية للأصدقاء.
الأمثلة على مثل هذه الإجراءات التنظيمية تُشير إلى أن الرسائل المُشفرة لا تُشكّل عقبة أمام إنفاذ القانون، لكن الأدوات بالتأكيد تجعل من الصعب أكثر تحديد ارتكاب الأخطاء، والقبض على المجرمين وتقديم القضايا ضدهم. قضية هيئة السلوك المالي اعتمدت على تطوّع نايهاوس بتقديم الهاتف وكلمات السر الخاصة به، بدلاً من الشجار حول تقديم رسائله. ماذا لو كان تطبيق واتساب موجوداً قبل عشرة أعوام؟ هل كان سيكون من الممكن الكشف عن تزوير سعر فائدة ليبور وأسعار صرف العملات الأجنبية؟ كما كانت عليها الحال، كان يتم استخدام خدمة بلومبيرج وغيرها من خدمات الرسائل المُشفرة - التي وفرت للمدّعين أدلة وافرة، وكثير منها ماتعة بشكل لا يُنسى.
بشكل سطحي، على الأقل، تم تشديد السلوك في الأعوام الأخيرة. وكالة بلومبيرج حسّنت أدوات المراقبة المعروضة على محطاتها، ما يمنح مسؤولي الامتثال وصولا أسهل لاتصالات الموظفين.
كما حظر عدد من المصارف غرف الدردشة بين عدة شركات من النوع الذي سمح بحدوث التواطؤ في سعر فائدة ليبور والعملات الأجنبية. بعض الشركات لم تعُد تسمح للمتداولين بأخذ الهواتف معهم إلى قاعات التداول. وانضم المسؤولون التنفيذيون إلى مبادرات تنظيف، مثل مجلس المعايير المصرفية في المملكة المتحدة. ينبغي أن تكون الغرامات الآن على مسار هبوطي، أيضاً. تقييم موسم الربيع الذي أجرته مجموعة بوسطن الاستشارية للعقوبات المفروضة على المصارف في كل أنحاء العالم توصلت إلى أن رصيد العام الماضي كان 42 مليار دولار. على الرغم من أنه كان مرتفعاً في عام 2015، إلا أنه كان بعيداً عن الذروة البالغة 75 مليار دولار في عام 2014. من المفترض أن تستمر الأرقام بالانخفاض في الوقت الذي تُنهي فيه المصارف العقوبات المفروضة عليها بسبب الفضائح القديمة – الغش في بيع المنتجات وانتهاك قواعد غسل الأموال، فضلاً عن التلاعب بأسعار فائدة ليبور والعملات الأجنبية.
من بين التسويات البارزة لهذا العام، أنهى دويتشه بانك تسوية بقيمة 7.2 مليار دولار بسبب الغش في بيع سندات القروض العقارية، فضلاً عن عقوبة بقيمة 630 مليون دولار بسبب غسل الأموال الروسية. بنك بي إن بي باريبا دفع نحو 600 مليون دولار بسبب قضية العملات الأجنبية.
إنه رهان عادل أن نفترض أن مارلينسبايك لم يكن يتمتع بحماية المصرفيين الاستثماريين الذين يتلاعبون بالسوق عندما تحدّث علنا قبل بضعة أعوام ضد "صناعة المراقبة المزدهرة في جميع أنحاء العالم".
ما لم يتراجع المثاليون في سيليكون فالي، ويمنحون المنظمين نوعا من الوصول من الباب الخلفي إلى المعلومات المُشفرة، فإن المجرمين الماليين، مثل الإرهابين، سيحصلون على مشوار أسهل.
وقد لا نعرف أبداً ما إذا كانت جرائم المصرفيين تتراجع فعلاً - أو أنها ستظل طي الكتمان، حتى يتم اكتشافها، بالصدفة أو بالتدقيق، لاحقاً.