عبدالله جمعة الحاج

 ما يُقرأ في شمال العراق، وما يدور في خلد الأكراد أنفسهم، ومن المسار الطويل لمحاولاتهم إقامة دولتهم المستقلة، يشير إلى أن الاستفتاء لو أُجري فإن جميع الأكراد سيصوتون في صالح إقامة الدولة الكردية، لكن أيضا من قراءة مواقف المجتمع الدولي حول إقامة مثل هذه الدولة في المنطقة، أن السماح للأكراد بإقامتها لم يكن واردا، خاصة على ضوء فشل المشروع في إيران العام 1946، سواء كان ذلك في العراق أو في غيرها من دول الإقليم. وفي تقديري أن المسألة تبدو شائكة، فالمجتمع الدولي، ليس راغباً حتى الأمس القريب في السماح بقيام دولة كردية مستقلة، ولا هو راغب في تسليح الأكراد بكثافة إلى الدرجة التي تسمح لهم بتحقيق مثل هذا الهدف وحماية الأمن الوطني للدولة الوليدة.

بالنسبة لحكومة حيدر العبادي هذه معضلة كبرى، فالسماح بانسلاخ جزء من الوطن العراقي مشكلة، والدخول في حرب ضد اقليم كردستان مشكلة أكبر، وعدم التعامل مع الموضوع بأية طريقة أخرى تمنعه أدهى وأمر. في الفترات السابقة قام الجيش العراقي السابق بالرد على محاولات الأكراد الانفصال التام في الشمال العراقي، وهاجمهم بقوة متسبباً في ظهور مشكلة لاجئين قوامها مليون ونصف مليون لاجئ. لكن الحكومة المركزية في بغداد آنذاك ورغم مآسيها كانت قوية جداً، أما الآن فإن ما يشغل الحكومة المركزية من مشاكل يفوق أعداد شعر رؤوس مسؤوليها مجتمعين، وليس بإمكانها القيام بما قامت به حكومة «البعث» آنذاك، فرغم تعاون الحكومة التركية مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لإقامة منطقة لجوء آمن للأكراد في شمال العراق، وبجهود إغاثة مكثفة لهم، وبمنع الحكومة المركزية من ممارسة حقها السيادي عليها، وبمنع الطيران العراقي من التحليق فوقها، وبإجراء انتخابات لتشكيل حكومة منتخبة فيها العام 1992، إلا أن في مقابل ذلك قامت حكومة العراق المركزية في بغداد بالتصدي لذلك بإصرار شديد وبفرض حصار على المنطقة وجعلتها شبه معزولة عن الأراضي العراقية، ومن ناحية عملية عن العالم، الأمر الذي أدى إلى انهيارها الاقتصادي وفشل مشروعها الاستقلالي، فما الذي تستطيع الحكومة الحالية القيام به لو وقع المحظور؟

نحن لن نستبق الأحداث، لكن من المهم الإشارة إلى أن المجموعات الكردية الرئيسية الكبرى هما الحزب «الديمقراطي الكردستاني»، الذي أسسه الملا مصطفى البرزاني، ويقوده حالياً ابنه مسعود البرزاني وحزب «الاتحاد الوطني الكردستاني»، الذي تقوده حالياً عائلة الرئيس العراقي السابق جلال الطلباني. هذان الفصيلان هما قادة مجموعات قبلية متنفذة. ورغم أنهما كانا فصيلين متنافسين بقوة إلى عهد قريب، وربما من الناحية السياسية لايزالان كذلك. السبب في هذا التنافس يعود جزئياً إلى أن كل منهما ينتمي إلى أصول قبلية ومناطقية مختلفة، فالبرزاني ينحدر من شمال كردستان الأقصى، في حين أن أسرة طلباني تنحدر من وسط كردستان العراق، وكلا الفصيلين يتحدث لهجة كردية خاصة به تختلف عن لهجة الآخر. وتاريخياً قامت العديد من الجهات الخارجية باستغلال الفصائل الكردية سياسياً في سبيل تحقيق مصالحها في العراق، الأمر الذي أثر على وحدة الأكراد وقضيتهم. وهناك شواهد كثيرة تدل على ذلك، ففي العام 1996 مثلاً قام الحزب «الديمقراطي الكردستاني» بطلب المساعدة من الحكومة المركزية في بغداد لاستعادة مدينة أربيل من يد حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني»، الذي كانت تسانده إيران، الأمر الذي أثار حفيظة ودهشة العديد من الأكراد الذين فسروه على أنه خيانة سمحت للحكومة المركزية باستعادة سلطتها وسيطرتها على المنطقة. والمهم هو أن حكومة العبادي ربما أن لديها الكثير من الأوراق التي يمكن لها أن تلعبها، فالقضية الكردية يمكن أن تساق لكي تراوح مكانها لو لعبت تلك الأوراق بذكاء ودهاء، فالسيناريو القائم هو أن دول المنطقة الرئيسية الأربع العراق وتركيا وإيران وسوريا، وعدداً من الدول الكبرى لا تريد قيام دولة كردية مستقلة، والأكراد ليس لديهم صديق في المنطقة سوى الجبال التي يتحصنون فيها، والكرة الآن في ملعب الحكومة المركزية في العراق، فحفظ وحدة العراق وتماسك أراضيه واجب مقدس.