فـــؤاد مطـــر

في هذه الأيام التي اختلط فيها الحابل الداعشي بالنابل الإخواني بالتغريد القطري غير المستحَب خارج السرب الخليجي، وبعدما بلغ منسوب الممارسات ما بات على أهبة تجاوز الخطوط الحمراء، يجد المرء مثل حالنا نحن، كما الكاتبة «الأهرامية» المتألقة سناء البيسي أيضاً، نستحضر من الماضي عدا ما يندرج تحت بند التاريخ يعيد نفسه، هوامش وحالات ومواقف من ذاك الماضي نفسه، هوامش وحالات في الحاضر.

وما قام به رموز في الحقل العام من أعمال وما طرحوه من نظريات كانت في مبتداها وفي استمرارها وفي منتهاها، الذي لم يكتمل فصولاً، ضد النفس التي حرَّم الله قتْلها وضد السلام على الأرض يتلازم مع المحبة في الناس يشابه شكلاً حقلاً من الورود أو سجادة كتلك التي تحيكها، وعلى قاعدة الصبر الجميل، أيادي عائلات إيرانية ترتضي الستر.
ثم جاءت الإعصارات الثورية تئد لها نعمة الرضا عملاً بوصايا السلَف الصالح التي كانت دائمة الترداد في صيغة أمثلة مثل «منك الحركة ومن الله البركة»، و«في بيت النملة تصبح قطرة الماء طوفاناً»، و«ترقيع ثوب عتيق خير من استعارة آخر»، و«يمكنك غسْل ثوبك لا غسْل ضميرك». أمثلة شعبية تداولها الفرس قبل الفردوسي وسعدي وعمر الخيام وزادوها أمثلة في سنوات لاحقة بما ينطبق على واقع الحال وسط الضوضاء الثوري، على مدار ولايات رئاسية متتابعة امتزج فيها المر بالعنفوان الذي يجعل السعادة في حال طويلة من الانتظار لها. 
من هذه الأمثلة ذاك القائل «في أوقية من الغرور تُفسِد قنطاراً من الاستحقاق». هنا تستحضر الذاكرة وقفات ومواقف خامنئية، نجادية، سليمانية في أكثر من مكان ومناسبة وعاصمة ومنبر.
الذي استحضرتْه سناء البيسي كان نفْض نثرات من الغبار عالقة على تراث أدبي لمن يمكن اعتباره التراث الفكري الذي من خلال رؤاه ومفرداته السريعة الدخول إلى النفس وإشاعة البهجة الإيمانية فيها. 
ونعني بذلك سيد قطب الآتي من الصعيد إلى القاهرة العلمانية - الأزهرية دارساً ثم باحثاً ثم موظفاً. ولأنه لا بد من بعض التأهيل الحزبي للشباب المنتقل إلى القاهرة من أسيوط، فإن سيد قطب انتسب إلى «حزب الوفد» الذي هو تأشيرة المصري لمَن يرنو إلى استقلال مصر من الوطأة البريطانية، ثم استبدل «حركة الإخوان المسلمين» بـ«الوفد». ثم تتوالى التطورات ويتم إعدام سيد قطب. 
ما نحن هنا في صدد الإضاءة عليه هو أن سيد قطب زرع من الأفكار ما جعل مصر وبعض ديار الأمة تحصد حالات من الفوضى، وصلت ببعضها إلى معادلة وضعت مصر على مشارف الصراع الأهلي، ولنا في يوميات انتفاضات ثورية حدثت في السنوات الخمس عشرة الماضية الدليل على ذلك.
لكن هذا الرجل وعلى نحو ما استحضرتْه سناء البيسي في سبت «أهرامها» يوم 8 يوليو 2017 كان أيضاً شاعراً، قصائد سيد قطب كثيرة وتكاد لا تخلو قصائد ديوانه من كلمات لا تتصل في أي حال بالانتفاضة على الأنظمة ولا العنف في الميادين ولا بالتدخل في شؤون الآخرين وإخضاعهم من خلال غسْل الأدمغة، وإنما كلمات تحاكي معظم ما قاله نزار قباني.
هذا الاستحضار الشِعري الغزلي لسيد قطب الذي لا تستقيم أحوال دول عربية وإسلامية بسبب تنظيراته، يجعلني كمواطن عربي طالما واجه كما سائر أبناء الأمتيْن لسعات «قُطُبية» انعكست عدم طمأنينة واستقرار على الأحوال عموماً، أستحضر بدوري الحالة الإيرانية الشعرية المتمثلة بمرشد الثورة السيد علي خامنئي. 
ففي خلال إعداد أبحاث لمادة كتاب «ألف فتوى وفتوى» أعالج فيه فوضى الفتاوى التي يتواكب ازدهارها مع الأحوال غير السارة التي نعيشها منذ عقديْن من الزمن استوقفني ما كتبتْه زميلتنا منال لطفي في «الشرق الأوسط» عدد الجمعة 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 2007، حول السيد خامنئي الذي يقرض أبياتاً وجدانية مثل قوله في إحدى القصائد: «مبتهج أنا من حزن يختفي في صدري. حالي مثل شعرك الغجري في مجلس أُنسك ووصْلك. لا أتحدث عن شيء... مثل مرآة... أتفكر كأني محتار مثل مرآة... لم أتحدث أبداً... لم أشْكُ أبداً. فؤادي مثل زوبعة... وسري معي في زوبعة فؤادي».
هذه الكلمات الخامنئية تبدو توأم نفحات للإمام الخميني الذي يقول كشاعر لم يقم بعد بالثورة وربما كان حتى لم يفكر فيها: «يا نقطة عطْف سر الوجود. خذ من يد المحب كأس الثمل. لقد غادر جنون العِلْم والعمل رأسي حين أيقظني قدَحك الملآن».
ما أريد قوله من هذا الاستحضار ونحن نعيش في ديار الأمتيْن ظروفاً تتصل مسبباتها وتداعياتها بما يمثله سيد قطب وما فعله آية الله الخميني وما يمارسه بصيغة التوريث علي خامنئي، هو: يا ليت الثلاثة استمروا شعراء يلحِن الملحنون قصائدهم التي يغنيها المطربون. ولكنها مجرد أمنية. وما كل ما يتمنى المرء يتحقق... وخصوصاً هذه الأمنية.