ياسر الغسلان

مع الصبيحة التي تلت إعصار إرما، تذكرت أميركا في الحادي عشر من سبتمبر تلك الأحداث التي أصابت كبرياءها وآلمتها في الصميم، فكيف استطاع حفنة من المنبوذين في كهوف العصور الوسطى أن يطيحوا برموز القوة الاقتصادية والعسكرية لدولة اعتقد الجميع أنها لا تهزم، وعلى الرغم من فداحة الحدث واستحالته في العقل قبل حدوثه إلا أنه حدث، ومع تغير العالم إلى الشكل الذي نعيشه اليوم بكل ما فيه من تبدل في مقاييس التحالف والولاء وفي موازين القوة والأولويات، حتى أصبح بعض أعداء الأمس أصدقاء اليوم والعكس صحيح.


ولكن ماذا تغير منذ تلك الصبيحة المشؤومة، ذلك اليوم العاصف الذي سبق إرما بستة عشر عاما، والذي اقتلع المنطق السياسي من رواسي اللعبة السياسية، وحطم زجاج الدبلوماسية الناعمة لسنوات، وقسم هيكل العالم لفسطاطين، أحدهما مع الخير القوي والآخر مع الشرير الضعيف، الجواب هو أنه تغير الكثير الكثير، فمن جهة لم يعد استخدام مصطلحات مثل «الأخوة» في المصير المشترك قابلا لأن يمر دون نظرات التهكم في مطلقها، فالمجاملة اليوم لم تعد لغة سياسية مقبولة، والمجاملات التي طالما حكمت علاقة الدول في وقت كانت الأنفس تحمل ما تحمله من مشاعر اللاراحة أصبحت نهجا من الماضي، فعلاقات الدول لا تبنى من منطلق الأخوة كما كنا نتصور بل من منطلق المصالح البينية والمصير المشترك هو ذاك المرتبط بتبعات التحالفات المبنية على استفادة الطرفين.
ماذا تغير كذلك، تغير الكثير، حطت أصنام أفراد ودول وأنظمة وانكشفت أكاذيب مسيري الدين لمصالح الدنيا، طمست أكاذيب ملاحم لا وجود لها إلا اختلاقا في كتب المدارس، تعلمنا أن الدول تبنى بتوحد قادتها مع الشعب لا بفرض وصاية على عقول ومصائر الشعوب، انفجرت ثورات وحروب حولت «صدام» مثلا من بطل لقادسية القرن العشرين إلى أيقونة للظلم، توسد أسفل ما اُصطلح على تسميته مزبلة التاريخ مع هتلر وموسيليني وباقي شلة دكتاتوري التاريخ.
هل تغير العالم للأفضل، الجواب يعتمد على مدى نظرتك لمعنى كلمة «أفضل»، ولكن دعني أذكّر القارئ الكريم بأنه منذ أحداث سبتمبر وبزوغ شهرة اسم تنظيم القاعدة على المستوى الشعبي ظهرت أسماء عديدة تسلك في ذات التوجه الإقصائي الإرهابي، من بوكو حرام وجبهة النصرة وداعش إلى لشكر طيبة وحركة أنصار الله والشباب الصومالية، وما بينها من جماعات في مشارق الأرض ومغاربها، كلها تعمل من أجل هدف الوصول للسلطة وتطبيق ما يزعمون أنه الإسلام الصحيح، وهم بذلك لا يسعون إلا لتطبيق الترهيب والرعب في المجتمع من أجل السيطرة عليه وحكمه بالحديد والنار.
من يستذكر ما كان عليه العالم قبل أحداث سبتمبر لربما اكتشف أن كل ما حولنا أصبح على صفيح ساخن، تغلي كل أركانه على نار هادئة، فدعم الإرهاب أصبح اليوم كالضغط على زر قنبلة الانتحاري، لا فرق بينهما البتة، والدول التي تلعب على الحبلين هي بالضرورة عدوة مهما حاولت التلاعب بالتعريفات والكلمات، والتاريخ قد كتب أن ذلك اليوم الذي قام به تسعة عشر إرهابيا بالهجوم على الولايات المتحدة كان اليوم الذي سطر القدر مبدأ «إن لم تكن معي فأنت بالضرورة ضدي»، هذه هي السياسة يكتبها الأقوى فهل نعي في يوم أن مثالياتها ليست إلا ديباجات للاستهلاك الشعبي!