زياد الدريس

أستمتع بمناكفة الشباب، الصغار، والتنبيش في مقولاتهم المتداولة كثيراً على ألسنتهم.

من ذلك مثلاً ما سبـــق أن كتـــبت عنه هنا تحت عنوان: «راحت عليّ نومة!» http://www.alhayat.com/m/opinion/7808351 تناولت فيه واجبات النوم عند هذا الجيل وحقوقه وأعذاره وطقوسه، ولكل جيلٍ طقوسه!

اليوم سأستحضر مقولة: ما عندك مشكلة، التي أصبحت تتردد كثيراً على ألسنة الفتيان عندما تُوكل إليهم مهمة أو يُطلب منهم طلب.

«ما عندك مشكلة» هي الحل السحري الأكيد لتخدير الطالب، لكنها للأسف تكون أحياناً أيضاً لتخدير المطلوب!

واضح من البناء اللغوي للعبارة أنها ترجمة حرفية للمقولة الأجنبية المرادفة. لن أقول جاءت ولكن انتشرت مع توسّع التواصل بين هذا الجيل واللغات الأجنبية، الإنجليزية خصوصاً، عبر أصناف متعددة من وسائط التواصل والتداول.

استجلاب العبارة من بيئة ثقافية أخرى مغايرة لا يعني بالضرورة استجلاب أدواتها والتزاماتها، إذ بسبب التغاير في المكوّن الاجتماعي لثقافة الإنجاز تتفاوت نتائج عبارة (ما عندك مشكلة) من الأعلى حيث تحقيق الوعد بأسرع درجة ممكنة، إلى الأدنى حيث المماطلة والتسويف في حل المشكلة من خلال التخدير بحقنة: ما عندك مشكلة.

ولإنصاف هذا الجيل فإن عبارة (ما عندك مشكلة) هي المرادف الثقافي- الاجتماعي لكلمة (أزهله) التي استخدمناها نحن والجيل الذي قبلنا. الفارق يكمن في أن عبارة الجيل الجديد أسرع تخديراً لأنها وضعت المشكلة في بنية العبارة الساحرة.

قريباً من هذا؛ كتبت قبل أيام في «تويتر» التغريدة الشعبية التالية: ‏عيال هذا الزمن؛ إذا نام يبغاك تعامله على أنه مراهق، وإذا قام من النوم يبغاك تعامله على أنه رجّال!

وقد جاءت عليها ردود عديدة ولطيفة، لكن ألطفها وأعمقها في الوقت ذاته هذا التعليق الذي كتبه الصديق د. إبراهيم البعيّز: «يقال ان علماء آثار مصر وجدوا نقوشاً في الأهرامات تقول الفكرة ذاتها، كل جيل يعتقد أنه افضل من الجيل الذي بعده!».

تعليق البعيّز لا يرمي إلى تبرئة الجيل الحالي من القناعات السلبية، ولكن إلى عدم تبرئة الأجيال السابقة من قائمة سلبياتهم الملائمة أزمانهم وأحوالهم، جيلاً بعد جيل.

والحكاية بإيجاز؛ هي ديمومة الصراع بين الكبار والصغار في كل جيل. الإشكالية تكمن في أن التهمة المتوارثة بين الأجيال ليست في أن الشيوخ أنضج من الشباب، فهذه يمكن قبولها وتفسيرها الطبيعي، لكن الـــشيوخ يقولون للشـــباب إنهم حين كانوا شـــباباً كانوا أفــضل وأنضج وأعقل منهم. ولو صح هذا بالقياس، مع تعاقب الأجيال منذ الفراعنة (!) لكان لزاماً أن يكون الشباب الآن بلغ في الانحدار درجة الأبالسة أو أشد!

ختاماً، إذا طلبتَ الآن من أحد الشباب إنجاز مهمة أو خدمة لك وردّ عليك بقوله: «ما عندك مشكلة» فابحث فوراً عن غيره لتنفيذها!!