علي العبدالله

من دون مناسبة واضحة أصدرت جماعة الإخوان المسلمين في سورية بياناً سياسياً وجهته «إلى أبناء شعبنا السوري الحر الأبي»، و «إلى أبناء أمتنا العربية والإسلامية الأماجد»، و «إلى أحرار العالم في كل مكان»، تضمن فقرتين: «تأكيدات» و «إعلانات ومواقف»، عرّج في الأولى على موقف «الجماعة» السياسي ومشاركتها في التاريخ السياسي والثورة السوريين، وطبيعة مواقفها وثباتها عليها، وذكّر بالوثائق التي سبق وأصدرتها «الجماعة» في العقد الماضي (ميثاق الشرف الوطني في 2001، والمشروع السياسي في 2004، ووثيقة عهد وميثاق في 2012)

ومر في الثانية على الوضع الجديد في سورية فأورد مواقف «الجماعة» من «الثورة السورية» و «الحل السياسي» و «المنطلقات الإثنية أو الدينية أو المذهبية» و «الاحتلالين الروسي والإيراني» للأرض السورية، وعرض منطلقات «الجماعة» في تعاطيها مع الوضع الراهن في سورية من «الحفاظ على هوية الشعب السوري، ووحدته المجتمعية، ووحدة أرضه الجغرافية» إلى رفض «التوقيع على أيّ وثيقة أو حلّ نهائي لا يتضمّن إبعاد بشار الأسد وإنهاء دوره سواء في المرحلة الانتقالية أو في مستقبل سورية» مروراً بمحاسبة المجرمين «الذين ارتكبوا المجازر بحق أبناء شعبنا، أمام قضاء حرّ ونزيه وعادل» و «تحقيق أهداف شعبنا بتأسيس دولة وطنية ذات سيادة، تضمن أمن جميع المواطنين وأمانهم وحرياتهم وكرامتهم، والمساواة التامّة في ما بينهم، كما تضمن وقف جميع أشكال التمييز العرقي والطائفي والحزبي والفئوي».

لم ينطوِ بيان «الجماعة» على جديد يبرر إصداره، ما يستدعي قراءة ما بين السطور وربط صدوره بالتطورات السياسية والميدانية الأخيرة على الساحة السورية، وبخاصة دعوة «المجلس الإسلامي السوري» لتشكيل «الجيش الوطني السوري» والبدء بالإعلان عن الفصائل والكتائب الموافقة على الاشتراك في العملية، وارتباط ذلك بالتحرك الإقليمي والدولي لمعالجة الوضع في محافظة إدلب بعد سيطرة «هيئة تحرير الشام» على معظم المحافظة، والاجتماع المرتقب في الآستانة الذي سيبحث الوضع فيها من أجل إيجاد مخرج تتوافق عليه الدول المشاركة في الاجتماع، ما يجعل إصدار البيان تكملة لدعوة «المجلس» لتشكيل «الجيش»، التي وقفت «الجماعة» خلفها، ويجعلهما بمثابة تقديم أوراق اعتماد لدى القوى الإقليمية والدولية بالإعلان عن «فرس رهان» مستعد للقيام بمواجهة الموقف في محافظة إدلب ومحاربة «الهيئة» هناك.

لكن أمام نجاح العرض وتحقيق هدفه بتلزيم «الجيش الوطني السوري»، ومن خلفه «الجماعة»، مواجهة «الهيئة» وبسط سيطرته على المحافظة، وتحوله/ تحولها إلى شريك وصاحب حصة في مستقبل سورية عقبات كثيرة وكبيرة أولها المناخ الإقليمي والدولي، الذي لم يبتعد عن المراهنة على الإسلام السياسي المعتدل لاحتواء تطرف الجماعات «الجهادية» فقط بل بات قريباً من وضعه في خانة الطرف المنبوذ، موقف تشترك فيه دول عربية وغير عربية، ومحدودية إمكانات تركيا، عرّاب «الجماعة» وراعيها الإقليمي، في مواجهة تطورات وتحولات المشهد المحلي والإقليمي والدولي العميقة والمتسارعة ما أضطرها للدخول في تحالفات ومراهنات تلزمها بالتخلي عن هذه الرعاية، هذا إضافة إلى ما تطرحه الصراعات الإقليمية والدولية على الحصص وتقاسم النفوذ في سورية من مساومات وتفاهمات معقدة لا دور للأطراف الضعيفة ولا حصص لها فيها.

يبقى أن طبيعة المشروع الذي تتبناه «الجماعة» العقبة الرئيسة في وجه قبول الدعوة /العرض. صحيح أن وصف «الجماعة» لنفسها بـ «جماعة إسلامية وطنية سورية، سقفها سوري وطني» يريح قوى إقليمية ودولية لكنه لا يشكل جواز مرور كافٍ عند وضعه في إطار مشروع «الجماعة» ككل والذي حدده البيان بـقوله: «إنّ مشروعها الوطني في سورية إنّما يدور على بناء سورية الحديثة دولة مدنية بمرجعية إسلامية، وأدوات ديموقراطية تعددية وتشاركية»، حيث من المتعارف عليه، وما استقر في التجربة السياسية الحديثة، وأصبح قاعدة راسخة في الفقه الدستوري، أن الدولة ليس لها دين، بمعنى عقيدة سياسية، محدد، وأن تحديد دين للدولة يحولها في شكل آلي إلى جهاز قسر وتسلط وقهر، كما اتضح من تجارب شيوعية وقومية وإسلامية عديدة 

فالدولة بما هي شخص اعتباري، لا تصبغ بلون عقائدي معين، ولا يصح إلزامها بذلك، وأنها مالك السلطة الوحيد الذي يفوض سلطاته إلى مؤسسات تنفيذية وتشريعية وقضائية، وان اختيار السلطتين التنفيذية والتشريعية يخضع لإرادة المواطنين الذين يختارون لإدارتهما عبر صناديق الاقتراع قوى حزبية منظمة أو شخصيات مستقلة ويمنحونهم حق التصرف لفترة يحددها الدستور يخضعونهم بعدها للمساءلة وللاستبدال في ضوء نتائج فترة الحكم 

وهنا سمحت التجربة السياسية الحديثة للأحزاب والقوى الحاكمة بصبغ النظام بصبغة سياسية أو اقتصادية خاصة، فالأنظمة يمكن أن تكون إسلامية أو قومية، ليبرالية أو اشتراكية ... الخ، وليس الدولة التي يجب أن تبقى دولة الجميع وفوق الجميع في آن. هذا من دون أن ننسى الدور السلبي لتاريخ «الجماعة» الذي عرف تقلبات سياسية وانتهازية أضعفت صدقيتها وشككت في أقوالها ومواقفها وحدت من فرص المراهنة عليها، ناهيك عن الأثر المدمر لتجربة إخوان مصر في الحكم خلال رئاسة محمد مرسي القصيرة على صورة جماعات الإخوان المسلمين وفرص وصولهم إلى الحكم.


* كاتب سوري