حسن المصطفى

أثناء المؤتمر الصحافي الذي عقده أمير مكة المكرمة خالد الفيصل، بمقر الإمارة في «منى»، تحدث عن الحجاج القادمين من جمهورية إيران الإسلامية، بقوله إن «الحجاج الإيرانيين هم إخوة لنا في الإسلام، ونحن استقبلناهم ورحبنا بهم في هذه البلاد المقدسة». مضيفا «نرجو أن يتموا حجهم كما أتوا براحة وبسلام، وأن نذكرهم بالخير، وأن يذكرونا بالخير كذلك».

هذه التصريحات تكتسب أهمية خاصة، كونها صادرة عن شخصية سعودية مهمة، لها تجربتها الإدارية والسياسية، ويتقلد منصبا مهما في الإشراف على سير مناسك الحج وحُسن تنظيمها. وهي أتت لتضع خطا فاصلا بين السياسة والعبادة. حيث لا يخفى على أحد عمق الخلاف السياسي والدبلوماسي بين الرياض وطهران. إلا أنه رغم وجوده لم ينعكس سلبا على موسم حج هذا العام. بل كان هنالك تفاهم وتنسيق بين البلدين، ساهم في أن يؤدي الحجاج الإيرانيون مناسكهم بأمن وأمان. حتى أن وكالة «رويترز» نقلت عن مدير خدمات الطوارئ الطبية الإيرانية بير حسين كوليواند، قوله «بصراحة.. السعوديون يقومون بعمل عظيم ويعملون بجد لتوفير أفضل خدمة».

ولو عدنا إلى التاريخ، وتحديدا في بدايات خضوع منطقة «الحجاز» لإمرة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، فقد بعث رسالة إلى القنصل الفارسي في جدة، جاء فيها «إننا نعلن لكل إخواننا المسلمين أن كل المشكلات، والمصاعب، والنقائص، التي بثها الحسين في هذه الأماكن المقدسة قد انتهت، وأن أبواب الحجاز باتت مفتوحة أمام كل من يريد الدخول إليها».

الرسالة التي أوردتها الباحثة بنفشه كي نوش، في كتابها «العلاقات السعودية – الإيرانية.. منذ بدايات القرن العشرين حتى اليوم»، تؤكد أن إدارة الحرمين الشريفين كانت تتم بعيدا عن النزاعات السياسية، أو المواقف العقدية والمذهبية. وكان الهاجس الأهم للجميع هو حفظ سلامة وأمن قوافل الحجاج. حتى أن القنصل العام الفارسي في سورية حبيب الله هويدا، عندما زار جدة في 20 أكتوبر 1925، أشار في تقرير له إلى أن «مكة تحت حكم عبد العزيز أصبحت أحسن حالا مما كانت عليه أيام العثمانيين والهاشميين». وتشير كي نوش في كتابها إلى أن الملك عبد العزيز «حقق ما لم يستطع الهاشميون تحقيقه: وهو أداء المهمة الصعبة في مناجزة قطاع الطرق، وخفض معدلات الجريمة التي ترتكب بحق الحجاج».

هذه الوثائق ترسخ أهمية العمل على إبعاد أي إشكال سياسي أو أمني من شأنه أن يؤثر على سلامة الحجاج، من أي دولة قدموا. وهو ما يدفع إلى الاعتقاد بأن الحوار والتفاهم بين البلدين ممكن الحدوث إذا صدقت النية، خصوصا أن تجربة الحج تؤكد أن الوصول إلى ترتيبات وتفاهمات عملية أمرٌ ممكن بين الرياض وطهران.

تبقى مسألة في غاية الأهمية تعوق أي تقدم في العلاقات بين السعودية وإيران، وهي «غياب الثقة» الناتج عن تراكم لتجارب سلبية وقعت بشكل متكرر في سنوات خلت، جعلت الرياض تعتقد أن طهران لا تعطي إلا الوعود، التي لا تلبثُ أن تنتهكها!

الباحثة بنفشه كي نوش، نقلت عن مسؤولين سعوديين التقتهم في المملكة، أن السعوديين «يلومون إيران على التحدث بلسانين». معتقدين أن إيران «لن تتخلى أبدا عن طموحاتها الثورية»! فهل تُقدم طهران مبادرة حُسن نوايا لجيرانها العرب في الخليج، تقود إلى حلحلة للمشكلات القائمة، وتخفف من الاحتقان المذهبي والتوتر الأمني، في وقت المنطقة بأسرها في حاجة لأن تأخذ موقفا عمليا ضد الإرهاب والفوضى، أم أنها لا تكترث لذلك؟!