فاتح عبد السلام

 المبدأ الاساس الذي يقوم عليه السلم الاجتماعي المانح للناس الطمأنينة هو عدم الاحتكام الى السلاح ، وجعل ذلك من اختصاص اجماع الدولة بقرارات مسببة تدفع اليها حاجة الناس انفسهم .

عندما تكون اللغة تلويحاً بالسلاح والقوة لا يكون لأي كلام آخر فاعلية ، وحين تحصل مفاوضات بين أطراف مختلفة ،تكون لا محالة ،تشبه تلك المفاوضات التي حدثت في القمة العربية الطارئة في القاهرة عام ١٩٩٠ يوم غزا صدام حسين الكويت ، حيث كانت هناك قرارات جاهزة لدى الرئيس المصري حسني مبارك أملاها على جميع الزعماء تفيد بطلب تدخل الولايات المتحدة بجيشها في قضية الكويت ، وعلى الجانب الاخر كان وفد صدام قد وصل القاهرة ليسمع فقط في حين ان القرار متخذ مسبقاً في القصر الجمهوري ببغداد . أعرف ان هذا المثال دولي اقليمي لا يقاس عليه في التعامل بالملفات الداخلية ، لكن لأن النتائج كانت كارثية على عموم المنطقة العربية على مدى ثلاثة عقود ، فأن من المفيد أن يتم التعامل مع حيثيات النزاع القائم في العراق بين الجناح الفيدرالي والجناح المركزي على وفق توقع الأسوأ دائماً ، والبحث عن الحلول الجذرية مبكراً ، وعدم ترك الملفات عالقة ، وفي أحسن الاحول يتم ترحيلها الى فترات لاحقة مع وعود تخديرية بالانجاز من دون ان تهتم الحكومات المركزية بمواجهة الاستحقاقات الأهم والأخطر .

 هناك انطباع ، أكده لي سياسي عراقي في بغداد ، هو ان الوضع العام العراقي في شكل الحكم فيه وعلاقة اجزائه مع بعضها ومع المركز ووحدة أراضيه وحماية أجوائه ، إنما هي في سلة دولية واحدة تحملها الولايات المتحدة ومن يدعمها في ذلك من أصحاب النفوذ الدولي الكبير والمتصل بمنطقة الشرق الاوسط ، لذلك كان من الطبيعي أن تكون أزمة استفتاء اقليم كردستان مشتعلة ويعلو الحديث عن ولادة دولة جديدة من الجسم العراقي الرسمي ، في حين كنا نرى رئيس الحكومة الاتحادية في أقصى جنوب العراق يركب مشحوفاً في أهوار الجبايش الشهيرة .

أعلم ان الدولة يجب أن لا تتوقف بسبب ملف واحد ، لكن هذا الملف هو الأكبر والأهم والأخطر ووقته ضيق جداً ، وينبغي أن يكون رئيس الحكومة العراقية زائراً دائماً في أربيل، كل يوم، اذا اقتضى الأمر للتعامل الجدي مع قضية اقليم كردستان . واعلم ايضا ان الحكومة ورئيسها جزء من حالة الحكم القائم في بغداد وليس الجزء الوحيد . ولا ينبغي أن يتحمل اللوم الذي يجلس في المقعد الاول وحده .

 ليس هناك تنازلات شخصية في المبادرات الوطنية، وانما هي جزء من المسؤولية، وعدم الركون الى خيار أن يأتي وفد كردستاني الى بغداد ، ومن ثم يرجع في انتظار وفد ثان وهكذا . في حين ان الطرفين لهما قراران مسبقان ومتناقضان .

مهما كانت الاتصالات والمبادرات ضعيفة في نتائجها فهي أفضل من عدم وجودها، لأن البديل يسمح للآخرين بالتدخل السافر في شؤون العراق ككل والاقليم الكردي كجزء . ورأينا تهديدات اقليمية أعلى صوتاً مما يصدر من بغداد في ملف الاستفتاء ، أو لعل هناك في بغداد من يركن ويسترخي تاركاً الآخرين يديرون الملف بطرقهم الخاصة بوصفه أقرب اليهم منه الى بغداد ، وتلك مصيبة أخرى .