محمد الحمادي 

لا أعتقد أن أياً من الدول الغربية ستكون متسامحة أو متساهلة إذا اكتشفت أن دولة جارة لها أو غير جارة كانت تخطط لاغتيال رئيسها، لا أعتقد أن مثل هذا الأمر مقبول على المستوى الشعبي أو الرسمي، كما لا نعتقد أن أي حكومة غربية، سواء في ألمانيا أو فرنسا، ستتسامح مع أي بلد تكتشف أنه يتآمر عليها ويعمل على زعزعة الأمن والاستقرار في بلدها، وينشر خطاب الكراهية فيها أو أنه يُؤوي عناصر تعمل ضد دولها ومجتمعاتها، بل ولا تكتفي بالإيواء وإنما تقوم بحمايتها وتمويلها ودعمها إعلامياً، وتساعدها على تنفيذ مخططاتها ضد تلك الدول.

وإذا كانت فرنسا وألمانيا وغيرها من دول العالم لا تقبل بذلك على دولها، فعليها أن تكون منصفة ولا تقبل ذلك في حق أي بلد آخر، وفي الوقت نفسه ألا تضغط على الدول التي تحمي نفسها من مثل هذا العبث والتخريب المنظم.

قطر متهمة، وتهمتها ثابتة بأنها تعمل ضد دول المنطقة، وضد جيرانها في الخليج وفي الدول العربية، وهي وعلى مدى عقدين من الزمان قامت بكل ما من شأنه أن يزعزع أمن واستقرار المنطقة، وعلى الرغم من ذلك حصلت بدلاً من الفرصة على العشرات من الفرص كي تتوقف عن سلوكها التخريبي وتعود إلى صوابها، ولكنها في كل مرة تعد بالتغيير وتخلف وعدها وتتراجع عن اتفاقها، وهذا ما جعل الدول الأربع تقرر مقاطعتها وليس «حصارها» كما نقلت بعض المواقع الإخبارية على لسان الرئيس الفرنسي ماكرون، فليس هناك حصار على قطر، وإنما هو قرار بالمقاطعة، ويحق لأي دولة أن تتخذه لحماية نفسها ورعاية مصالحها. وإذا كان حصاراً ما رأينا الشيخ تميم بن حمد، أمير قطر، يسافر في جولته الأخيرة متنقلاً بين دول العالم من تركيا إلى ألمانيا إلى فرنسا، فالمحاصر يكون محروماً من السفر والتنقل والخروج من بلده، فقد يكون أمير قطر اضطر للسفر ليحاول أن يجد حلاً في الغرب بعد أن فشل وزير خارجيته طوال مائة يوم، إلا أنه بجولته هذه أكد شيئين: أولاً أنه غير محاصر، والشيء الآخر أنه لا يريد الاقتناع بأن الحل في الرياض، وبالتالي يكون بجولته هذه قد ابتعد أكثر عن مجال الحل ومكان إنهاء الأزمة، وهو الرياض.

أصبح منطق الحكومات الغربية في السنوات الأخيرة واضحاً ليس للنخبة الخليجية ولا الحكومات الخليجية فقط، بل وحتى للرأي العام الخليجي الذي أصبح يشعر بأن «بعض» الحكومات الغربية لا يهمها غير مصالحها، وهي في سبيل ذلك مستعدة أن تبتعد وتتجاهل المبادئ التي تتبناها -ولو لبعض الوقت ولبعض الظروف-، فهي تتكلم عن محاربة الإرهاب، وتتحدث عن سيادة الدول وحقوقها، وتتحدث عن الالتزام بالمواثيق والقوانين الدولية، وتتحدث عن أهمية السلام والاستقرار في الدول، وتتحدث عن حق الشعوب وحقوق الإنسان، وفي الحالة القطرية تتجاهل كل هذه الأمور، وتتحدث عن حوار ومصالحة، فقط لأنها تخشى أن تتأثر مصالحها الاقتصادية مع قطر، والأمر الآخر عند «بعض» الحكومات الغربية أنها يمكن أن تقبل على الآخرين ما لا تقبله على نفسها، فهل تقبل أن تكون بينها دولة تدعم الإرهاب أو تشجع على خطاب الكراهية؟ بالطبع لا! وهل تقبل أن يعمل بلد آخر على الدعوة لتقسيم بلدها؟ بلا شك سيكون ردها قاسياً وربما تقوم بإعلان الحرب على ذلك البلد!

إذاً لماذا تريد حواراً بين الدول الأربع المقاطعة وقطر من دون أي ضمانات لنجاح الحوار ولماذا تريد نهاية لهذه الأزمة بأي طريقة وبأي ثمن؟!

من المهم أن تثبت «بعض» الدول الغربية أنها صديقة لدول الخليج وليست صديقة فقط لـ «مصالحها» مع دول الخليج.. وكذلك ألا تكون مهتمة بانتهاء المقاطعة، وإنما بنهاية وحل الأزمة كلها.