عبد الوهاب بدرخان

 أقلّ من أسبوع فصل بين إعلان الأمم المتحدة أن عدد الروهينجا الهاربين من إقليم راخين (أراكان سابقاً) الميانماري/ البورمي إلى بنجلاديش تضاعف من مئتَين إلى أربعمئة ألف نازح، ما يدلّ إلى الوتيرة السريعة لـ «التطهير العرقي» الحاصل. وبالنظر إلى أن أقلية الروهينجا المسلمة تعدّ نحو مليون شخص،

وإلى أن أعمال العنف والتنكيل بدأت منذ عام 2012 وأدّت إلى نزوح مطّرد قبل أن يتسارع في الشهور الأخيرة مع اتضاح نيات السلطات العسكرية والجماعات البوذية المتطرّفة، فإن المتوقّع أن لا يعقد مجلس الأمن جلسة لاتخاذ إجراءات ضد حكومة نايبيداو (رانجون سابقاً) إلا بعد يكون الأمر الواقع قد فُرض على المجتمع الدولي. ميانمار أرادت أن تتخلّص من سكان «البدون» الذين عاشوا فيها عقوداً طويلة، ولم تمنحهم جنسيتها، بل قوننت عدم تجنيسهم.

ورغم أن الحملة العسكرية لاقتلاع السكان وطردهم دخلت شهرها الثاني رسمياً، بذريعة محاربة الإرهاب وتوطيد الأمن، إلا أن «أونج سان سو تشي» امتنعت عن الكلام، وإذ فعلت بعد إلحاح دولي، فلتقول إن هذا الهروب الكبير للروهينجا ما هو إلا حملة تلفيق إعلامي ضد بلادها، ولم تقل مستشارة الدولة/ رئيسة الحكومة لماذا لا تسمح حكومتها بفتح طرق للطواقم الدولية، كي تطلع على ما يجري فعلاً أو على الأقل لإيصال المساعدات الإنسانية إلى من يحتاجونها. ولم يعد مهمّاً أن تكون «سو تشي» حاملة لقب «نوبل للسلام»، فالعديد ممن حازوا تلك الجائزة انحرف بها عن أهدافها النبيلة المفترضة، بل الأهم أنها تماهت مع العسكر ورضخت لحسابات انتخابية تضطرّها للوقوف جنباً إلى جنب مع الرهبان المتطرفين البوذيين الذين تلعب ميليشياتهم أفظع الجرائم ضد الروهينجيين. وإذ استشعر العسكر شدّة الغضب الدولي فالأرجح أنهم هم الذين أوعزوا إلى «سو تشي» بعدم حضور فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكنها وعدت بـ «خطاب إلى الأمة» لا يُتوقّع منه سوى أن يبرّر عملية «التطهير»، ولعله سيؤشّر إلى أن هذه العملية انتهت، أو توشك وما دام أن هناك انقساماً دولياً، فإن الممكن الوحيد هو أن يتشرّد شعب، أما المستحيل فهو تمكين المجتمع الدولي من محاسبة من يشرّده. ويبدو أن هذه هي القاعدة غير المصرّح بها في النظام الدولي، أو البند غير المكتوب في ميثاق الأمم المتحدة. فالطغاة ومجرمو الحرب باتوا موقنين بأن سيفلتون من أي عقاب.

ليس هناك ما يمكن أن يقلق عسكر بورما، فقد رأوا، كسواهم على مرّ الأعوام القليلة الماضية، أن نظام دمشق (بحماية روسيا وإيران) طرد ملايين السوريين من بيوتهم ومواطنهم، وأن عصابة الحوثيين (بتحريض من إيران) دفعت نصف الشعب اليمني إلى الهجرة القسرية، وأن النظام الطائفي (تحت الهيمنة الإيرانية) في بغداد قذف بملايين العراقيين من كل المذاهب إلى الخارج، وأن الحروب على جماعات الإرهاب ساهمت أيضاً في توسيع مخيمات النزوح، بل إن هؤلاء العسكر شهدوا أخيراً كيف أن نظاماً أكثر مروقاً في كوريا الشمالية يهدّد الأمن العالمي بقنابل نووية، لكنه يحظى مع ذلك بتفهّم وحماية من الصين وروسيا. في ضوء ذلك قد ترى سو تشي نفسها «واقعية» أكثر منها متغاضية عن جريمة ضد الإنسانية.

أجمعت تقارير الطواقم الدولية للإغاثة وجمع المعلومات على أن ستين في المئة من النازحين الذي يصلون إلى كوكس بازار في بنجلادش هم الأطفال. وبمقدار ما أن ذلك محزن بمقدار ما يتحوّل الحزن خوفاً وجزعاً عندما يتبيّن أن أعداداً كبيرة منهم وصلوا وحدهم سائرين مع الجموع، فإما أن ذويهم أضاعوهم في الطريق أو أنهم تعجّلوا ترحيلهم ولم تمكّنهم ماكينات البطش من اللحاق بهم. لا أحد يعلم كيف يمكن احتضان هؤلاء الأطفال وحمايتهم من شتى أنواع الاستغلال، بل إن أحداً لا يعرف ما العمل بهؤلاء الروهينجا، فبلادهم تخلّت لتوّها عنهم، وبنجلاديش المأزومة أصلاً لا تعتزم توطينهم، وجلّ ما تقبله أن تقام مخيمات لاستيعابهم قبل إعادتهم، يوماً ما، إلى بورما. هل يستطيع المجتمع الدولي إعادتهم؟ نادرة جداً في سجله حالات إعادة السكان إلى مواطن اقتلعوا منها بدافع طائفي - عنصري.