وسام سعادة

عاد موضوع الاستحقاق الانتخابي «تقنياً»، ببحث بندي تصويت المغتربين والبطاقة البيومترية على طاولة مجلس الوزراء عنه. عودة «تقنية» من خارج جدول الاعمال، لكن أيضاً من دون مؤشرات الى عودة «سياسية» للاستحقاق الانتخابي. ذلك أن هذا الاستحقاق العتيد والمؤجل للمرة الثالثة، كان شاغل الناس حتى لحظة الاتفاق على قانون جديد عويص ومزركش، واذا قيل للناس من بعد إقرار هذا القانون، إن عليهم الانكباب من الآن فصاعداً على استيعاب هذا الجديد، فما حدث لاحقاً، كان بالعكس من هذا، تراجع الاهتمام بالانتخابات، رغم بدء العد العكسي لها.


تراجع ارتبط بتصدر ملفات أخرى، من ملف اللاجئين السوريين في أول الصيف، الى ملف المجموعات المسلحة في الجرود. صحيح أنه لم تتوقف طيلة هذه الفترة الأنشطة الانتخابية، والبوانتاجات الانتخابية، والتحضيرات التقنية بشكل عام، لكن، في الوقت نفسه ابتعد الاستحقاق عن مركز الضوء السياسي، وظهر أكثر فأكثر أن دون «تسييس» الاستحقاق، الذي هو بالاساس الاستحقاق السياسي بامتياز، عقبات يمكن ايجازها بثلاث: تفشي الخطاب الخشبي، في نماذجه المختلفة، انما المتلاقية على التقليل من حدة الأزمة اللبنانية في شكلها الراهن، ثم شيوع الخطاب الانفعالي والمناكف كبديل «ليس ببديل» عن الخطاب الخشبي، وبالتوازي، ظهور حجم من اللامبالاة، لدى شرائح واسعة من الناس، تجاه الاستحقاق المزمع، وبعض من هذه اللامبالاة تشكيكي حيال حصول الاستحقاق في موعده المرحل للعام المقبل، فيما البعض الآخر مشكك في ما يمكن أن يأتي به هذا الاستحقاق.

مختلف تماماً المناخ عن آخر استحقاق. فانتخابات العام 2009 ظلت بالفعل، الشغل الشاغل للحلبة السياسية، وللرأي العام، منذ صلح الدوحة التي حسمت أمر قانون الانتخاب آنذاك، ووصولاً الى لحظة الاقبال على الصناديق. لماذا تراجع الاهتمام بالانتخابات اذاً، هذا العام، مباشرة بعد إقرار القانون؟ هل فقط بسبب تصدع ثنائية 8 و14 آذار، هل فقط بسبب صعود موضوعات آخرى، اللاجئين والجرود، الى الواجهة؟ هل لاستشعار، من فوق ومن تحت، بأن المرحلة هي للركود لبنانياً، وينبغي ابقاء الوضع على ما هو عليه بالتي هي أحسن، حتى اتضاح توافقات خارجية جديدة حول لبنان؟ شيء من كل هذا، بالطبع. لكن أيضاً، وقبل كل شيء، تسييس الاستحقاق اليوم يرتبط بشيء واحد، طرح «مسألة حزب الله». 

أي برنامج انتخابي يريد التخلف عن الاثارة في العمق لهذه المسألة، مسألة الى أين يا «حزب الله» بعد الحرب السورية والجرود، هو برنامج يريد نزع التسييس عن الاستحقاق التشريعي، السياسي بامتياز. 

وبالتوازي، أي طرح انتخابي يريد اختزال هذه المسألة الى خطابية شعبوية - على أهمية الحماسة، تعفي نفسها من تقديم طرح برنامجي لحل المسألة اللبنانية، ومعالجة «مسألة حزب الله»، انطلاقاً منها، هو طرح عاجز عن تسييس الاستحقاق.

الحزب من جهته، لا يبدو أنه يرفع السنة شعار 2009، «اعادة تكوين السلطة»، ولا يظهر حتى الآن أنه معني بشكل حثيث بالاستحقاق. لكن في الوقت نفسه، كل ما يقوله عن انتصاراته، أو بمعنى آخر عن ازدياد انعدام التوازن بينه وبين المجموعات الأخرى، الحليفة منها والمناوئة، انما يرتبط بقابلية ترجمة هذه الأرجحية في الحملة الانتخابية والصناديق.

هل يعود الاستحقاق الى الصدارة مجدداً؟ هذا مشروط باعادة تسييسه، وهذه لن تحدث من تلقائها. أكثر من هذا: من دون اعادة تسييس الاستحقاق ستزيد احتمالات اعادة تأجيله.