أحمد عبدالتواب

تستحق ظاهرة اعتماد مبدأ المصالحة بين المتنازعين التوقف أمامها طويلا لفهم معانيها ودراسة أبعادها وتبعاتها المتعددة، خاصة الجوانب الاجتماعية والقانونية، وعلى الأخص عندما يتعطل القانون بما فيه دور الردع، ويُنحَّى حق الدولة وحق الرأى العام. والكلام بمناسبة آخر واقعة فى هذا المسلسل، فيما عُرِف إعلاميا بموقعة البلطجة فى التجمع الخامس، بعد أن اتفق طرفا النزاع على التسوية على أن يدفع رجل الأعمال الذى تسبب رجاله فى إحداث أضرار شخصية ومادية مبلغ 3 ملايين جنيه للواء الجيش المتقاعد، وأن يسحب رجل الأعمال شكواه ضد اللواء والتى اتهمه فيها بالسب والقذف، مقابل أن يتنازل اللواء عن شكواه وأن يقبل المبلغ المعروض بعد أن كان يطالب بتعويض أكبر بكثير! وقد انشغل الرأى العام كثيراً بهذه المعركة، وكان الواضح أن الأغلبية أكثر تعاطفا مع اللواء وصدقت روايته عن العدوان الجسيم الذى تعرض له هو وعائلته على يد بلطجية محترفين بتكليف من رجل الأعمال، والذين تسببوا أيضا فى إحداث تدمير وتلفيات فى فيلته! 

يتعجب البسطاء، وهم عموم المواطنين، من أن تستمر النزاعات بين بعضهم البعض عشرات السنين حول مطالب متواضعة، وتكون الحجة دائما عن تعقيد الإجراءات، وبطء التقاضى، وقلة عدد القضاة، وصعوبة التراجع وإلا تكبَّدوا تعويضات للطرف الآخر ولمؤسسات الدولة التى تسببوا فى إزعاجها..إلخ، بينما تطالعهم الأخبار اليومية عن بساطة متناهية فى تصفية مثل هذه النزاعات التى يرونها كونية تُقاس تعويضاتها بوحدة المليون! ولا يجد الناس إجابات على أسئلة ملحة، مثل تلك الخاصة بجريمة استخدام البلطجية التى لا يملك الضحية فى هذه القضية أن يسقط حق الدولة، بل واجبها، فى إعمال القانون الذى يفرض ملاحقة البلطجية ومستخدميهم. 

لاحظ أن منتهكى القانون الصغار الذين يصعب عليهم الفرار من العقاب، حائرون من انتشار ظاهرة إبرام المصالحات حتى فى قضايا الفساد الكبرى التى يردّ فيها المتهم الجزء المكتشف من ثروته غير المشروعة، ويعيش منعما بما لم ترصده أجهزة الدولة! والأخطر أن يؤخذ بالمصالحة فى جرائم الفتنة الطائفية فتظل الجراح مفتوحة.