نعمت أبو الصوف

انخفض إنتاج "أوبك" من النفط الخام في آب (أغسطس)، ما أدى إلى ارتفاع مستوى الامتثال لاتفاق خفض الإنتاج، وربما يحافظ هذا التراجع على مسار الأسواق نحو عجز في المعروض، تسارع في استنزاف المخزون ويدعم أسعارا أعلى في النصف الثاني من عام 2017.


في هذا الجانب، قالت "أوبك" في تقريرها الشهري الأخير لأسواق النفط إن إنتاجها انخفض بمقدار 79 ألف برميل في اليوم على أساس شهري ليصل إلى 32.76 مليون برميل في اليوم في آب (أغسطس)، الأمر الذي وضع إنتاج المنظمة بشكل ملحوظ دون توقعات أرقام الطلب على نفطها خلال هذه الفترة.
ومن المتوقع أن يرتفع الطلب على نفط "أوبك" مع ارتفاع الطلب العالمي ليصل في الربع الثالث إلى 33.7 مليون برميل في اليوم. واستنادا إلى هذه التقديرات وبأخذ أرقام تموز (يوليو) وآب (أغسطس)، التي بلغ متوسطها 32.8 مليون برميل في اليوم، تبدو الأسواق في طريقها إلى عجز في العرض خلال ما تبقى من السنة. تقديرات المخزون تدعم هذه التوقعات لأنها تتجه إلى ثالث تراجع شهري على التوالي. ووفقا لمنظمة "أوبك"، تشير بيانات المخزون الأولية لتموز (يوليو) إلى أن إجمالي مخزونات النفط التجارية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD قد انخفض بمقدار 18.7 مليون برميل في الشهر ليصل إلى 3.002 مليار برميل.
تقديرات آب (أغسطس) أيضا إيجابية ويمكن أن تأخذ مخزونات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية دون مستوى ثلاثة مليارات برميل. وتظهر البيانات الأولية لآب (أغسطس) أن مخزون النفط التجاري الأمريكي انخفض بمقدار ستة ملايين برميل إلى 1.310 مليار برميل، على الرغم من أن السوق قد تكون بعيدة عن المسار الصحيح بسبب إعصاري هارفي وإيرما اللذين استنزفا طاقة التكرير في الولايات المتحدة وتسببا في حدوث خلل كبير في المخزونات العالمية.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أيضا أن تتسارع عملية إعادة التوازن خلال الربع الثالث، إلا أن العملية تتوقف على الامتثال المستمر لأعضاء "أوبك" وليس على الانقطاعات الميدانية غير المخطط لها، التي يمكن القول إنها تدعم آخر أرقام إنتاج "أوبك". حيث أدت عمليات الإغلاق المتصلة بالوضع الأمني في ثلاثة حقول ليبية إلى إغلاق قدره 360 ألف برميل في اليوم، ما أدى إلى خفض مستويات الإنتاج الليبي حتى نهاية الشهر، هذا بدوره أدى إلى بعض المتنفس من ناحية فائض الإمدادات في أسواق النفط العالمية. وانخفض إنتاج النفط الخام الليبي من 1.003 مليون برميل في اليوم في تموز (يوليو) إلى 890 ألف برميل في اليوم في آب (أغسطس)، وذلك وفقا للمصادر الثانوية التي تعتمدها منظمة "أوبك".
وبالنظر إلى دول "أوبك" الـ 12 المشمولة بخفض الإنتاج بموجب اتفاق تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، نلاحظ تحسن الامتثال الجماعي للمجموعة في آب (أغسطس) إلى 116 في المائة. لقد حافظت السعودية على سجلها في الامتثال، حيث خفضت عشرة آلاف برميل في اليوم من إنتاجها من تموز (يوليو) إلى آب (أغسطس)، وبلغ إنتاجها 10.022 مليون برميل في اليوم، وسجلت بذلك نسبة امتثال بلغت 107 في المائة لذلك الشهر.
وتواصل فنزويلا المضطربة اقتصاديا وسياسيا فقدان مزيد من الإنتاج كل شهر، بينما تكافح شركة النفط الوطنية بتروليوس دي فنزويلا للحفاظ على مستويات الإنتاج. ففي آب (أغسطس) انخفض إنتاجها بمقدار 32 ألف برميل، في اليوم، وبلغت مستويات الامتثال الآن 157 في المائة.
وساعد الالتزام الراسخ للسعودية، أنجولا، الكويت وقطر، مع توقفات الإنتاج في ليبيا وفنزويلا على إخفاء أوجه القصور في التزام المنظمة ككل. وخفض العراق إنتاجه بمقدار 23 ألف برميل في اليوم في تموز (يوليو) إلى آب (أغسطس)، في حين ضخ كمية كبيرة بلغت 4.45 مليون برميل في اليوم. ومقارنة بأرقام خط الأساس، خفض العراق 113 ألف برميل في اليوم مقابل 210 آلاف برميل في اليوم التي وعد بها، وبذلك بلغ مستوى امتثاله 54 في المائة فقط. كما لم تحقق الإمارات سوى مستوى امتثال بنسبة 81 في المائة، وقد تواجه هي والعراق، انتقادات في الاجتماع المقبل للجنة المتابعة الوزارية المشتركة في فيينا يوم 22 أيلول (سبتمبر) الجاري.
ولأول مرة سينضم إلى اجتماع لجنة المتابعة الوزارية المشتركة نظراؤهم من ليبيا ونيجيريا، حيث ستتم مناقشة إمكانية شمولهما باتفاق خفض الإنتاج. ومن المرجح أن تتعرض نيجيريا لضغوط متزايدة، حيث أظهرت أرقام إنتاجها في آب (أغسطس) أن إنتاج النفط الخام بلغ 1.86 مليون برميل في اليوم متجاوزا 1.8 مليون برميل في اليوم التي ذكرها وزير النفط النيجيري في وقت سابق كمقياس مستهدف قبل إجراء مثل هذه المناقشات.
وسيكون شمول نيجيريا بالاتفاق وتعزيز الامتثال في العراق، الإمارات، والجزائر أمرا حاسما إذا ما قررت "أوبك" تسريع عملية إعادة التوازن في الأسواق التي تهدف إلى زيادة الأسعار نحو 60 دولارا للبرميل وإجبار سوق العقود الآجلة للنفط على التحول من حالة "الكونتانجو" Contango، أي أن الأسعار المستقبلية "الآجلة" أعلى من الأسعار الفورية إلى حالة التراجع Backwardation، أي أن أسعار الشهر الفوري أعلى من أسعار الأشهر اللاحقة، ما يثبط من قدرة شركات النفط الصخري الأمريكية على تحوطات الإنتاج المستقبلية. وقد كان ارتفاع إنتاج النفط الأمريكي عاملا آخر قبل تأثير اتفاق خفض الإنتاج في "أوبك" هذا العام.
من ناحية الأسعار، ارتفعت أسعار النفط في بداية الأسبوع الماضي، بعد أن توقعت "أوبك" في تقريرها الشهري الأخير ارتفاع الطلب في عام 2018، وأيضا تأكيد روسيا وفنزويلا التزامهما باتفاق خفض الإنتاج في محاولة للحد من وفرة الخام في الأسواق العالمية. وعلى الرغم من الاضطرابات التي اجتاحت أسواق النفط بسبب الأعاصير التي وقعت في الأسابيع السابقة، فإن تقرير "أوبك" الأخير قد رسم صورة مطمئنة، مشيرا إلى أن إعادة التوازن في سوق النفط قد تكون جارية. حيث قامت منظمة "أوبك" بتعديل توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط، وتوقعت أن ينمو الاستهلاك بمقدار 1.42 مليون برميل في اليوم هذا العام، أي بزيادة قدرها 50 ألف برميل في اليوم عن توقعات الشهر السابق. وقالت "أوبك" أيضا إن المخزونات آخذة في الانخفاض وازدادت علاوة أسعار خام برنت للتسليم الفوري إلى أسعار الإمدادات اللاحقة أملا في تسريع إعادة التوازن في الأسواق.