صالح القلاب 

لأن المفترض أن أكراد العراق يعرفون، بحكم تجربتهم الطويلة، لا بل بحكم تجاربهم المرة، أن مشكلتهم ليست مع العراقيين والسوريين ومع العرب بصورة عامة، وإنما مع الإيرانيين والأتراك، فقد كان عليهم أن يدركوا قبل رفع راية "الاستقلال" أن هذا التحول التاريخي فعلاً لن يمر بسهولة، بل إنه لن يمر أبداً لأن إيران وتركيا تعتبران هذا الأمر خطاً أحمر، وعلى أساس أن "انفصال" كردستان العراقية واستقلالها سينقل العدوى الانفصالية إلى هاتين الدولتين اللتين تعانيان فعلاً من أنهما يتشكلان من "فسيفساء" قومية، وأن حصول إحدى القوميات، وبخاصة "الكرد"، على استقلالها في إحدى دول هذه المنطقة سينقل هذه العدوى إليهما لا محالة.

لقد كان على الرئيس مسعود البارزاني، صاحب التجربة الطويلة، أن يدرك هذا ويعرفه، وألا يتخذ هذا القرار قبل أن يضمن على الأقل تأييد الولايات المتحدة وباقي الدول الكبرى، ومعها الأمم المتحدة، وأيضاً سكوت معظم الدول العربية، فخطوة كهذه ستزلزل هذه المنطقة الملتهبة بالفعل، وستفتح أبواب صراعات "إثنية" لا نهاية لها، ستؤدي إن على المدى البعيد أو القريب إلى "خرائط" جديدة في الشرق الأوسط كله غير خرائط سايكس – بيكو الشهيرة التي حرمت الأكراد مما أعطته أو أعطت بعضه للآخرين الأتراك والعرب والإيرانيين... وأيضاً للإسرائيليين الذين لا علاقة لهم بهذه المنطقة لا من قريب ولا من بعيد.

وهنا فإنه لابد من التأكيد مجدداً ومرة ثانية وثالثة وعاشرة وألف أنه يحق لهذا الشعب "الشقيق" بالفعل أن يحصل ولو على الحد الأدنى مما حصلت عليه شعوب المنطقة، وأن يقرر ولو شيئاً من مصيره، وتصبح له دولته المستقلة أسوة بالآخرين، لكن عليه أن يختار اللحظة التاريخية بدقة متناهية، وأن يتجنب استفزاز أي من هذه الدول التي ستقاتل، بالتأكيد، أي نزعة استقلالية للشعب الكردي الذي إذا أردنا قول الحقيقة فإن من حقه أن يحصل على ما حصل عليه الآخرون!

وكان على الرئيس البارزاني أيضاً أن يتجنب، ما دام أنه كان قد عقد العزم على إجراء هذا الاستفتاء، إثارة القضايا المختلف بشأنها كقضية كركوك، فالمعروف أن إثارة هذه القضية ستثير غضب العراقيين كلهم، وتوحد السنة والشيعة، وتجعلهم يؤجلون الكثير من خلافاتهم، إضافة إلى أنها ستؤجل هذا الصدام المتعاظم بين العرب كلهم والإيرانيين الذين بات هؤلاء ينظرون إليهم على أنهم محتلون، وأن إيران دولة محتلة إن في بلاد الرافدين وإن في سورية، وأيضاً إن في لبنان واليمن.

والآن وقد حصل كل هذا الذي حصل فإن المفترض أن تتم "لملمة" هذا الموضوع بدون ترك أي أحقادٍ كردية عربية، إذ إنه قد اتضح وبصورة جلية أن هذا الوقت ليس وقته مادام أنه قد ثبت أن الولايات المتحدة والأمم المتحدة وكل دول العالم الفاعلة والمؤثرة ستسكت إن تحرك الأتراك والإيرانيون بقواتهم في اتجاه كردستان العراقية، ومع الإشارة في هذا المجال إلى أن تركيا وإيران رغم كل ما بينهما من خلافات فعلية وحقيقية إلا أنهما تلتقيان عند منع إقامة أي شكل من أشكال "الاستقلالية" الكردية وفي أي دولة من دول هذه المنطقة.