علي محمد فخرو


نجحت الولايات المتحدة الأمريكية والسلطات الأسرائيلية في فلسطين المحتلة في تغيير طبيعة الصراع التاريخي مع عدو اغتصب 90٪ من أرض فلسطين التاريخية وشرد الملايين من شعبها، ولا يزال يمعن في التوسع الصهيوني للمستوطنات في أرض أهل فلسطين يومياً، وينكر على المشردين الفلسطينيين حق العودة إلى وطنهم ومساكن أجدادهم.. وتغييره من صراع ضد عدو استعماري استيطاني إلى ضرورة دولية للاعتراف بسلطته في فلسطين وللتطبيع التام الظالم معه ومع مؤسساته.
ولكل من يحرص في البداية على كتمان عار ذلك السقوط إلى أن تفضحه عيون التجسس وألسنة الشماتة وفقدان الحساسية تجاه الخجل والشعور بالذنب وتأنيب الضمير، فإن الأنظمة والجهات والمؤسسات والأفراد الذين كانوا يبنون جسور التطبيع في البداية خفية وتحت جنح الظلام قد أصبحوا الآن يقومون بذلك بصورة علنية وبمفاخرة وبلا أي نوع من تقديم الأسباب الموجبة أو الظروف القاهرة الاضطرارية.
أصبح التنكر للروابط العروبية القومية والإسلامية والأخوة الإنسانية، والإعلان عن ذلك جهاراً ومن دون خوف من أهل أو عشيرة أو شعب أو مجتمع أو دين أو التزامات أخلاقية، هو العرف السائد. وأصبح كل من يريد أن تستضيفه وسائل الإعلام، لإشباع نرجسيته وغروره أو لتبرير تاريخه الاستخباراتي والتجسسي أو للاستزلام لتلك الجهة أو تلك، على استعداد أن يبيع نفسه في سوق النخاسة الأمريكي أو الأسرائيلي أو العربي أو كل سوق نخاسة يدفع.
إذا كانت كلمات العتاب أو النقد أو الاستنكار تلك قاسية فلأن المصاب مأساوي وكارثي.
فلقد أصبح تذكير تلك الأصوات النشاز في أرض العرب بالتزامات الأخوة العربية أو الإسلامية أو الإنسانية وبإملاءات القيم الأخلاقية تجاه الملايين من الإخوة العرب الفلسطينيين، المشردين في كل أصقاع الأرض، الممنوعين من الرجوع إلى ديار آبائهم وجدودهم، المسجونين لعقود بلا محاكمات، المنهكين وهم وقوف أمام حواجز الأمن الصهيوني الحقيرة، أصبح التذكير لا يفيد ولا يتخطى سمعهم وأبصارهم إلى ضمير، هو نفسه قد أصبح متعفناً ملوّثاً بنزوات شيطانية أنانية سادية شريرة.
ما عاد تذكير هؤلاء ولا التوجه إلى المؤسسات القومية المشتركة، كالجامعة العربية ومنظمات التضامن الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي وما بقي من الاتحاد المغاربي، ولا طرح الأسئلة على وزراء الخارجية العرب أو المسلمين أو حتى على مؤسسة القمة العربية مع الأسف الشديد، ما عاد كل ذلك يؤدي إلى نتيجة في وطن عربي فقد البوصلة القومية المشتركة، وأصبح كل جزء منه يمارس الاستقلال السيادي التام عن بقية الأجزاء.
ليس أمامنا هنا إلا التوجه إلى مجتمعاتنا العربية، حيث المؤسسات المدنية التي تدافع عن الشرف والكرامة والالتزامات القومية والإسلامية، وحيث المواطن العربي العادي الذي لم يتلوث بالانتهازية السياسية، بل يؤمن بعروبته وأخوته مع شعب فلسطين المشرد المعذّب المنهك، نتوجه إلى مجتمعاتنا لتقوم بدورها المطلوب في تصحيح مسار هذا النكوص القومي المفجع وفي مساءلة المطبعين الذين يفاخر المجرم نتنياهو العالم يومياً بأنهم قد جعلوا الكذبة الصهيونية في أرض العرب تبدو وكأنها حقيقة.
ما يجب أن ننتهي به هو التوجه إلى الإخوة الفلسطينيين والمؤسسات الفلسطينية لنسألهم: هل يستطيعون أن يلعبوا الدور المطلوب منهم في مساعدة تصحيح ذلك المسار والتوقف عن ارتكاب الأخطاء والخطايا التي يستعملها المنادون بالتطبيع كحجة ومبرر؟