سعيد الحمد

عندما تابعت ورأيت تخبطات الكاتب جمال خاشقجي في الفترة الأخيرة ولا سيما خلال الاسبوعين الماضيين.. رفعت يدي لله شاكرا أن توقفت القناة التي عين مديرا عاما لها قبل أن تبدأ وإلا ماذا كان حالنا معها ومنطقتنا تمر بتداعيات ومنعطفات خطيرة وكبيرة لا تحتمل المواقف الضبابية والرمادية التي يقفها جمال خاشقجي الذي كان مديرا عاما لها؟!
فلا ندري حتى الآن أين يلعب ومع من يلعب وقد تلبسته حالة يصعب علينا تشخيصها، فهو عندما استلم مكتبه في البحرين قدم نفسه إلى الوسط الاعلامي والثقافي والسياسي بوصفه ليبراليا بامتياز.
وعندما بدأ بث قناته وخلال الساعة الأولى وفي النشرة الأولى الساعة الرابعة بعد الظهر استضافت قناته اول ضيوفها «السياسيين» أو هكذا يفترض فإذا به يصدمنا بوفاقي صميم كان أحد أعمدة دوار العار ويفتح له الهواء مباشرة ليقول ما قال.
ولم نكن لنعترض بتلك الشاكلة لو ان قناته أعطت نفس المساحة من البث المباشر للرأي الآخر حتى تكون متوازنة بلا شبهة انحياز وصمت بها القناة نفسها في الساعة الأولى من بداية بثها الذي كان البحرينيون يترقبونه بوصفها قناة ليبرالية كما روج جمال عنها وعن نفسه.
وأسلوب وطريقة «خولف تذكر» التي يتبعها ثم اعتمدها جمال خاشقجي في الفترة الأخيرة طريقة مزدوجة وذات اتجاه يفتح على التصادم بين الشيء وضده في ذات الوقت وذات اللحظة، فالصادم هو المصدوم، وقد فعلها خاشقجي الزميل فصدم مركبته التي يقودها بنفسه ليكرر ذات الطريقة المتعاكسة والمتضادة التي سبق له تجربتها في قناة العرب غير المأسوف على توقف بثها قبل أن تبدأ.
وقد كان يمكن لقناة العرب كقناة اخبارية سياسية أن تضيف وأن تنافس وتستقطب جمهورا عريضا من المتابعين من كل مكان لميزة الاستقلالية، وهي ميزة مهمة وضرورية كما لا يخفى على جمال خاشقجي الذي استلم الادارة العامة فيها، لكنه وظف الاستقلالية بوصفها ميزة ايجابية الى ميزة سلبية ان صحت التسمية وأخذ القناة حتى كادت ان تتبنى مواقف وسياسات معينة تنحاز لها وبالنتيجة فقدت استقلاليتها المفترضة وانحازت الى خط سياسي معين حتى وإن كان اصحابها وملاكها لا يريدون لها هذا الانحياز تحديدا وتخصيصا والى تلك الجهة السياسية بصفة خاصة، لكنها طريقة «خولف تذكر» التي أغرم به جمال خاشقجي في البداية، فهل أخذ حذره من النهاية؟؟
و«خولف تذكر» ليست مغامرة ولكنها مقامرة بنقطتين قد تكونان قاصمتين حين الرهان المفتوح على ضربة الحظ أو ضربة الخسارة، وهكذا هو كل رهان مقامر، وأمامنا تجارب وعبر فمن يعتبر؟!
وخولف تذكر ليس أسلوبا علميا مبنيا على معطيات وحيثيات ومعادلات من كيمياء الواقع السياسي والسوسيولوجي، والضرورة المنطقية لهكذا أسلوب أن تجد نفسك في النهاية في موقع ليس من خيارك وليس نتيجة قرارك، فهي الظروف وهي المعطيات وهي الحيثيات تلعب دورها في تحديد موقع لك في المشهد لم تقرر بوعي حقيقي أن تكون فيه.
وهذا يذكرنا بالذين يعتمدون وينهجون منهج «لا» لكل شيء وأمام كل شيء حتى لو كان في مصلحتهم، وهنا أتذكر زميلا لنا اعتمد «لا» عند كل سؤال وعند كل إجابة فأطلق عليه الزملاء والزميلات «مستر نو» التي قالها وسطنا حينما استلم قرارا رسميا وقانونيا بوصوله الى سن التقاعد نهاية الشهر القادم يومها، حينها صرخ بها «لا» وهو يلملم اوراقه واغراضه وخرج متمتما حتى ودعناه عند سيارته، فقال لنا «لا» رافضا الوداع ومضى تاركا خلفه «لا» كبيرة نستذكرها بابتسامة اكبر، وتلك حكاية تطول.