سميحة أيوب: الشيخ الشعراوي حضر إلى المسرح القومي ودعا لنا

  أحمد هارون

«لست أدري من أين أبدأ؟ هل من البدايات؟ وهل ما أكتب سيجد صدى عند القارئ؟ المهم... إنني منذ عشرة أعوام وأنا أقول لنفسي: من بعد إلحاح الآخرين كتاباً وشعراء وصحافيين وفنانين عليَّ أن أكتب مذكراتي في المسرح والحياة، ولكني أحب أن أسميها (ذكرياتي) لأنني لا أؤرخ باليوم والساعة، ولكنها ذكريات، ربما هناك في الذاكرة تواريخ أستطيع أن أدونها والباقي في الأعماق والذاكرة، ولو أن الذاكرة يمكن أن تسقط أحداثاً وأعتقد أن الذاكرة يمكن أن تسقط أشخاصاً أيضاً»، بهذه الكلمات قدّمت سيدة المسرح العربي الفنانة سميحة أيوب لكتابها «ذكرياتي» الذي صدرت الطبعة الأولى منه عام 2003، وصدرت الطبعة الرابعة منه أخيراً.

عند الحديث مع فنانة بحجم وقَدر وقامة سميحة أيوب، فإن الكلمات تأخذ منحى آخر... إنها ليست إنسانة عادية أو فنانة بسيطة، هي إنسانة مثقفة من طراز رفيع عزّ وجوده هذه الأيام، تعرف قيمة الكلمة والفن في المجتمع، لأنها تعلم يقيناً أن الثقافة هي التي تبني البلاد وتبني المواطن... هي تاريخ طويل وحافل بإنجازات فنية ربما لا نجد لها نظيراً آخر... تربعت على عرش المسرح العربي في أزهى عصوره، فترة ستينات القرن الماضي... تلك الفترة التي كانت فترة الإبداعات والتقدم في المسرح، وكان هناك كوكبة من المبدعين كتاباً ومخرجين وممثلين، منهم كرم مطاوع وسعد أردش وحمدي غيث وكمال ياسين ومحمود دياب، وسعد الدين وهبة وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس، وغيرهم كثير من كبار الكتاب الذين صنعوا محتوى ثقافياً فكرياً نادراً، ما زلنا نعيش على نجاحاته وكان هو الأساس في النهضة المسرحية العربية.

دخولها إلى عالم الفن جاء عن طريق الصدفة، حسبما رَوَتْ سيدة المسرح العربي خلال حوارها مع الإعلامي أحمد مختار ببرنامج «ليالي العيد» المذاع عبر القناة الأولى المصرية، وفي مذكراتها، عندما ذهبت مع إحدى صديقاتها إلى معهد الفنون المسرحية لترافقها فقط دون أن تقدم: «كنتُ في حصة الألعاب والمدرّسة لم تأتِ وكانت إحدى صديقاتي تريد التقديم في المعهد، فذهبنا خلال حصة الألعاب... أنا رحت بمريلة الألعاب وصديقتي كانت لابسة و(متشيكة) لأني كنت رايحة مش للتقديم، لكن زائرة فقط».

وأضافت: «وكان هناك الأستاذ زكي طليمات في فريق الاختبار، وكان (قرفان مني أوي)، وشخص آخر (كان مبسوط)، فالأخير قال لي: (أنتِ يا شاطرة إحنا خلصنا واسمك مش موجود)... فقلت لهم: (أنا زائرة مش جايا أمتحن).. فقال لي: (تحبي تمثلي؟)، فقلت له: نعم... فقال لي: (زي مين)، فقلت: (زي ليلى مراد، ويوسف وهبي)... فكل الترابيزة ضحكت لأن يوسف وهبي كان في فريق الاختبار وأنا مش عارفة».

وعندما طلبوا منها تأدية شيء، بكت بشدة ولم تستطع، ولأن عمرها لا يؤهلها للالتحاق بالمعهد (14 سنة)، قُيّدت مستمعة إلى حين تتم 16 سنة... وخلال ذلك الوقت تجاهلها تماماً زكي طليمات، وذات مرة طلب منها أحد الأعمال لتقدمها في اليوم التالي، وفي الغد قدمت ما طلبه منها فأعجب بها، واستطاع الحصول على استثناء لها من وزير المعارف لتصبح نظامية وتحصل بعد ذلك على 6 جنيهات... بعد ذلك أصبح زكي طليمات أستاذها الذي تدين له بالفضل الأكبر في تفجير الجانب الإبداعي والحسي لها، واستطاع أن يأخذ بيدها ليرى إبداعُها النورَ، لتصبح فيما بعد من أهم أعلام المسرح العربي.

بداخلها طاقة فنية كبيرة وعطاء فني لا ينضب... فهي صاحبة رصيد مسرحي يصل إلى 170 مسرحية، كما أنها تكاد تكون - إن لم تكن - الفنانة العربية الوحيدة التي وصلت إلى عالمية المسرح، حيث قدمت 5 مسرحيات مع مخرجين من ألمانيا وروسيا وإنجلترا وفرنسا... كما وقفت على خشبة المسرح الفرنسي.

أدارت المسرح القومي لمدة 14 عاماً، وهذه أطول مدة لمسرحي أدار فيها المسرح القومي، ولشعورها بأن هناك الكثيرين من المسرحيين يحلمون بهذا المنصب، قدمت استقالتها، لإتاحة الفرصة لآخرين، وكان من أهم ما قدمت في فترة رئاستها مسرحيات «فيدرا» و«أنطونيو وكليوباترا» و«رابعة العدوية» و«الأستاذ»... وبكلمات للشاعر فاروق جويدة اختزلت سميحة أيوب المواقف، حيث قالت في أثناء كلمتها بعد تكريمها من قبل وزارة الثقافة بعد تقديمها للاستقالة عام 1987: «المنصب قد يصنع بطلاً بين الأقزام، ويضيع المنصب في يوم وتدوس علية الأقدام».

ولو كانت أيقونة المسرح العربي تقدم أعمالاً هزلية للتسلية أو للهو، أو أعمالاً عادية كغيرها، لما قال عنها الشيخ أحمد حسن الباقوري، وزير الأوقاف المصري الأسبق، وأحد علماء الأزهر الشريف، بعد مشاهدته فيلم «فجر الإسلام»: «أحب اللغة العربية وهي تخرج من فم سميحة أيوب»، وما كان فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، ليحضر عرض مسرحية «دماء على ستار الكعبة» في المسرح القومي، عام 1987م، إلا تقديراً منه للفن الرفيع الراقي، فقد فوجئ جميع العاملين في المسرحية بوجوده في الصف الأول للجمهور، وأثناء إغلاق الستار سمع الفنان يوسف شعبان دعاء الشيخ الشعراوي: «ربنا يكرمك يا يوسف يا شعبان ربنا يكرمك يا سميحة يا أيوب». وبعد انتهاء العرض قال لها: «ربنا يبارك لكم ويبارك فيكم... وتقدمون أعمالاً تفيد الإنسانية وتنفع الناس».

وها هو جان بول سارتر، فيلسوف فرنسا الأشهر عندما أتى إلى مصر... ماذا كانت ردة فعله عندما رآها على المسرح... نترك مذكراتها لتقول:

«جاء سارتر إلى مصر بدعوة من جريدة (الأهرام) وكان المسؤول عن الدعوة الأستاذ محمد حسنين هيكل رئيس تحرير (الأهرام) في ذلك الوقت... وقالوا لي: سوف نغلق مسرحية (الإنسان الطيب) في يوم مجيء سارتر، لأنها معروضة خصيصاً له، فرفضت إغلاق المسرح، وقلت: لا، سوف أعمل في (الندم) الماتينيه، وأذهب إلى سواريه (الإنسان الطيب).

وجادلني كثيراً في هذه الجزئية أستاذنا الكبير توفيق الحكيم الذي كان يشعر ساعتها أنه أنجبني وأنني ابنته التي يفتخر بها، وقال لي: (ليه يا سميحة، دي ليلة عرسك، يجب أن تقضيها مع ضيوفك، ونحن أقمنا حفلاً كبيراً بهذه المناسبة وأنتِ العروسة)... فقلت له: اعذرني، وفي زميلاتي وزملائي الكفاية، لأنني لا أستطيع أن أغلق ليلة في مسرح كامل العدد».

«وآه، لو كان يعلم أنني أردت أن أذهب فوراً بعد الماتينيه الذي سيحضره سارتر حتى أتجنب أي نقد أو وقاحة، كما قال كلود استيه، ويوم العرض وأنا أسوق عربتي، وفي طريقي إلى المسرح، قلت في نفسي: (يعني إيه سارتر، لقد عرضت هذه المسرحية لجمهور بلدي مصر، وقد أعجب بها هذا الجمهور أشد الإعجاب، فما قيمة سارتر إذا أعجبته أم لم تعجبه؟).

وجاء مدير المسرح يقول لي: اتفضلي يا مدام، ويا للهول، على رأي يوسف وهبي، أصابني الهلع لدرجة أنني كنت أسمع دوي دقات قلبي، ودخلت إلى خشبة المسرح، مشهد لم تره عيني من قبل، وأزعم أنها لن تراه أبدا بعد ذلك… المسرح مكتظ بالمثقفين والمسؤولين والصحافيين، ولا موضع لقدم من أعلى التياترو إلى الوقوف في الترهات حتى وصل الزحام إلى خشبة المسرح.

وجسدت دوري كما جسدته من قبل، وانتهى العرض، وإذا بسارتر وسيمون دي بوفوار يصعدان إلى المسرح، وسارتر يقبلني ويقول لي: (أخيراً وجدت إليكترا في القاهرة)».

تعتبر مرجعاً مهماً لا غنى عنه لمن أراد أن يدرس تاريخ المسرح العربي، ولطلاب معاهد التمثيل في أرجاء الوطن العربي، ولما تحظى به من شعبية عربياً ودولياً، رسمياً وشعبياً، خصص ملتقى «بصمات الفنانين التشكيليين العرب» في دورته الثالثة عشرة، يوم 2 يوليو (تموز) الماضي، الذي نظمه أتيليه القاهرة ومؤسسة «استراكا للفنون» بمشاركة 400 فنان مبدع من جميع الدول العربية، ميدالية باسم الفنانة سميحة أيوب والفنان عبد العزيز التميمي والفنان الراحل جواد سليم، وكان من ضمن اللوحات، لوحة لسيدة المسرح العربي بريشة الفنان العراقي وليد السماوي.

> سألناها أين المسرح الشعري الآن؟

- لا يوجد شيء، لا يوجد شيء... المناخ العام في العالم كله مرتبك، وعندما يستقيم العالم فسيستقيم المسرح، فالمسرح مرتبط بما حوله، من اقتصاد، واجتماع، وثقافة، يتأثر ويؤثر، مثل الأواني المستطرقة.

> بعد غياب دام أكثر من 40 عاماً عادت سميحة أيوب للسينما 2012، من خلال دور كوميدي مع محمد هنيدي وإيمي سمير غانم وباسم سمرة في فيلم «تيتة رهيبة»... هل غيرتِ رأيكِ بعدما كنتِ ترفضين العمل في السينما؟

- كنت أرفض العمل في السينما لعدم وجود أدوار تناسبني، كما أن ما كان يُعرض علي لم يكن يتناسب معي، وقد قبلت العمل في «تيتة رهيبة»، لأنني غيرت رأيي، فالإنسان الذي لا يغير من آرائه يصاب بالجمود، كما أني وجدت أن الفيلم يقدم رسالة تربوية مهمة للغاية يمكن أن نقدمها.

> من «فجر الإسلام» إلى «تيتة رهيبة»؟!

- ولمَ لا؟... طالما العمل جيد ومكتوب بشكل ممتاز والعمل يناسبني، اقتنعتُ به ورجعت عن رأيي، خصوصاً أنه يقدم رسالة، كما قلت.

> معنى كلامك أنكِ من الممكن أن تشتركي في فيلم من بطولة محمد رمضان؟

- أنا لا أحدد أو أقيّم أشخاصاً بأعينهم، فأنا أقيّم العمل الفني ككل، وهذا سبب قبولي الرجوع إلى السينما، فإذا عُرض علي فيلم جيد ووجدت فيه ما وجدته في «تيتة رهيبة» فلِمَ لا؟

> ما هي أقرب الشخصيات إلى قلبك؟

- كثيرة، لا أستطيع أن أحدد شخصية بعينها.

> زاركم فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي في المسرح القومي وحضر عرض مسرحية «دماء على أستار الكعبة» ودعا لكم... ماذا تغير في فكر الناس؟

- حضر الشيخ الشعراوي عرض مسرحية «دماء على أستار الكعبة»، وقال لنا بالحرف: «ربنا يبارك لكم ويبارك فيكم... وتقدمون أعمالاً تفيد الإنسانية وتنفع الناس»... وجاء تقديراً منه للفن الراقي الذي نقدمه، ولو كنّا غير ذلك لما حضر... والفن الراقي يقدره الجميع، المتدينون عن علم وفهم صحيح للدين، وغير المتدينين.

> هل تغيرت نظرة الناس للفن؟

- بالطبع، تغيرت كثيراً، في السابق كانت الأهالي والأسر الكبيرة تمنع أبناءها من دخول عالم الفن، وأنا عانيت كثيراً لدخولي المعهد، أما الآن فقد تغير الحال كثيراً، وتغيرت النظرة إيجابياً للفن والفنانين.

> وقف الفنان القدير جميل راتب على خشبة المسرح الفرنسي كثيراً، وكذلك الراحلة العظيمة سناء جميل، إلا أنكِ تكادين تكونين الفنانة الوحيدة التي عملتِ مع مخرجين عالميين كثيرين، حدثينا عن تلك التجربة...!

- نعم، قدمت خمس تجارب لمسرحيات عالمية، من إخراج مخرجين من ألمانيا مسرحية «دائرة الطباشير القوقازية»، وروسيا مسرحية «أونكل فانيا»، وإنجلترا «أنطونيو وكليوباترا» مع المخرج الكبير فيرنر بوس وهو مخرج إنجليزي معروف، وفرنسا عرضت مسرحية «فيدرا» التي قدمتها على أكبر مسارح باريس، ولاقت نجاحاً منقطع النظير، جماهيريّاً وإعلاميّاً، وحضر العرض الكاتب السياسي الكبير محمد عودة، وكان معه الأخضر الإبراهيمي، السياسي العربي الجزائري، وأكد لي أنه كان فخوراً. كل هذه التجارب كانت تجارب عظيمة.

> مسلسل «سمارة» وهو من أروع ما قدمتِ وقدمت الإذاعة المصرية... ما مدى نجاحه في فترة إذاعته؟

- لو لم ينجح نجاحاً كبيراً لما أُنتِج سينما، نجاح المسلسل الإذاعي هو السبب في أن يتحول سينما، فقد كانت الشوارع تخلو من الناس في وقت إذاعته عصراً كل يوم.