لا دور ولا حاجة لاستمرار الهيئة: قرار حاسم بإلغاء الجهاز

قينان الغامدي 

لماذا تضييع الوقت والجهد والمال في تكريس وجود جهاز لا جدوى من بقائه، بل إن بقاءه عبء مالي وإداري على الدولة التي تسعى بكل السبل إلى ترشيد الإنفاق!!

صدر تنظيم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في 4 رجب 1437 الموافق 11 أبريل 2016، لينهي بصدوره حقبة طالت من المطاردات والمداهمات والتجسس والاستدراج والشك في أخلاق الناس، ومنذ صدور التنظيم قبل سنة ونصف السنة تقريبا، وحتى اليوم، لم نسمع ولم نقرأ شيئا من تلك الجرائم الأخلاقية التي كانت الهيئة تضخمها وتهول منها، في مسلسل شبه يومي، وسنويا تعلن عن مئات الآلاف من الوقوعات والمضبوطات الأخلاقية التي لم يلحظ أحد شيئا منها خلال السنة والنصف الماضية، بل على العكس مما كان أفراد الهيئة يزعمون، فقد سادت الطمأنينة في الشارع السعودي، وعمت الثقة، ولم نر أحدا يعتدي على أحد أخلاقيا، ولم نشاهد أي تشوه أخلاقي لا في الطرقات ولا الأسواق والمتنزهات ولا المدارس، وشهدت مناطق المملكة كلها احتفالات ومناسبات بحضور الرجال والنساء والأطفال، كان آخرها احتفالات اليوم الوطني، وكلها تمت في غياب الهيئة، ولم يحدث ما يخل بأخلاق أو يخدش حياء، فالمجتمع السعودي مجتمع مسلم محافظ بطبعه، وحريص على أخلاقه وشرفه من دون سوط أحد ولا مراقبة من بشر، وبطبيعة الحال يوجد في كل مجتمع شواذ، وهؤلاء يتكفل الأمن بضبطهم وتأديبهم بالنظام في كل العالم، بل إن أفراد المجتمع نفسه -رجالا ونساء- يرفضون أي سلوك شاذ أو قول خادش للحياء، ولكن تبين مع التجربة خلال السنة ونصف السنة الماضية أن الشواذ في مجتمعنا قلة قليلة، بل نادرة، وليسوا بذلك الحجم المضخم الذي كانت الهيئة تعلنه في تقاريرها السنوية!!

ومن خلال الواقع المعاش لم يعد لجهاز الهيئة أي دور يقوم به مطلقا، حتى موضوع إغلاق المحلات في أوقات الصلاة، فإنه الآن يتم تلقائيا، وترى المسلمين ملء المساجد وفوق الأرصفة يصلون طاعة لربهم، ومن دون ميكرفون يصيح ويهدد ويتوعد، ويتصيد ويلاحق ويجبر، فعبادة الله علاقة خاصة بين العبد وربه، ولا يحق لأي بشر أن يتدخل بين الله وخلقه، وكأن الله اختاره ليكون وسيطا، بينما الكل يعلم أن الله سيحاسب عباده فرادى يوم الدين!! 
حسنا. الآن الجهاز الرسمي للهيئة لم يعد له أي دور يقوم به، ولا مسؤولية يؤديها لا في الميدان ولا في المكاتب، وشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائمة مطبقة ميدانيا كما يجب أن تؤدى، وكل أجهزة الحكومة الرقابية والأمنية تؤدي هذه الشعيرة بكفاءة ووعي، وطالما الأمر كذلك، فما الداعي لبقاء جهاز الهيئة الرسمي قائما!!؟. 
أسأل لأنني بصدق لا أرى له دورا ولا حاجة مطلقا، والدولة ألغت وزارات وأنشأت وزارات حسب الحاجة طيلة مسيرتها، وجهاز الهيئة جهاز حكومي مثله مثل أي جهاز آخر يمكن إلغاؤه نهائيا طالما انتفت الحاجة إليه، ولا يوجد أي مانع لإلغائه، بل إن من المصلحة إلغاءه، توفيرا للمال والجهد، وحيث لا حاجة لوجوده!!. 
يدور في داخل أروقة مجلس الشورى مداولات ونقاشات حادة حول ضم الهيئة إلى وزارة الشؤون الإسلامية، ولم أطلع على مبررات أعضاء الشورى الثلاثة الذين قدموا هذا المشروع، لكن وكما يقال في المثل الشعبي فإن وزارة الشؤون الإسلامية (عساها بأحمالها تقوم!!)، ولذا وطالما لم يعد لجهاز الهيئة حاجة ولا دور فلماذا نرزأ به وزارة هي مترهلة أصلا، ثم لماذا لا يطرح مجلس الشورى موضوع إلغاء الجهاز نهائيا ويناقشه ويرى ما الحاجة الداعية لبقائه، وأنا واثق أن المجلس لو ناقش الأمر على هذا النحو فإنه لن يجد حاجة لبقائه ولا ضمه لأي جهة أخرى!!، فلماذا تضييع الوقت والجهد والمال في تكريس وجود جهاز لا جدوى من بقائه، بل إن بقاءه عبء مالي وإداري على الدولة التي تسعى بكل السبل إلى ترشيد الإنفاق!!. 
لقد طرحت وطرح غيري من الكتاب والكاتبات فكرة تحويل جهاز الهيئة إلى شرطة آداب تحت إشراف الأمن العام، ومع أن الأمن العام أقرب قطاع يمكن ضم الهيئة إليه، إلا أن أفراد جهاز الهيئة غير مؤهلين الآن للقيام بهذا الدور، ويحتاجون تدريبا وتأهيلا طويلين مكلفين ماليا ومعنويا، ولا أظن الأمن العام يحتاج إليه، ولهذا فإن إلغاء الجهاز نهائيا هو الأولى والأجدى، ويمكن تشكيل لجنة لدراسة إمكانية الاستفادة من موظفي الهيئة في قطاعات حكومية أخرى، حسب مؤهلاتهم والحاجة إليهم، وكذلك الاستفادة من منشآت الهيئة وسياراتها لقطاعات أخرى تحتاجها، ولا أظن مجلس الشورى ولا غيره يحتاج أن يضيع وقته في نقاش ولا أخذ ورد، فالأمر واضح وإلغاء الجهاز كل مبرراته المقنعة متوفرة وواضحة، ولا يحتاج سوى قرار يحسم الأمر!!.