الدوغماتية

مشاري الشلهوب

علمونا أن الولاء والبراء عقيدة، ومعاداة الكفار دين، وعلمونا أن الأمم أجمع تعادينا، وتريد إسقاط معتقداتنا حتى يتحرر العالم أجمع، ويمارس الفجور، وعلمونا أن الفن حرام، والغناء مصيبة من المصائب، وعلمونا أن إسدال اللحية واجب، والأخذ منها محرم، وعلمونا أن إسبال الثوب لما أسفل الكعبين ذنب،

ومرتكبه آثم، وعلمونا أن السفر لبلاد الكفار للسياحة حرام، وعلمونا بأن صور ذوات الأرواح حرام، وتصويرها محرم، وعلمونا أن علماء الشريعة هم أفضل العلماء، ولا يوجد علماء أفضل منهم، وغيرهم من العلماء لا يستطيعون بلوغ فضلهم ومنزلتهم، وعلمونا أن من يدخل القنوات الفضائية لبيته حرم الله عليه الجنة لأنه غاشٌ لرعيته، وعلمونا بأن عقل المرأة ناقص، فهو أقل من عقل الرجل.!
عاهدنا دول ليست مسلمة، فوجدنا أن كثيرا منهم فيهم خير، وخالطنا الأمم، فوجدنا أن كثيرا منهم لا يكترثون لما نعتقده، ونؤمن به، وأقمنا الحفلات الغنائية في أرجاء البلاد، ودعمنا الفن المعتدل، فوجدنا أنه يجمع الشعوب، ويسعد الناس، ونظرنا في حكم تقصير اللحى، وحكم إسبال الثوب، وحكم السفر لبلاد الكفار للسياحة، وحكم الصور والتصوير، فوجدنا أن فيها خلافا، وليست هي من المسائل التي يقطع بحرمتها، ودرسنا الشريعة، وخالطنا علماء الشريعة فعرفنا فضلهم، وعندما أصاب بعضهم المرض أبصروا وأبصرنا فضل باقي العلماء عليهم، وأدخلنا القنوات الفضائية في بيوتنا، وأدخلها من حرموها بيوتهم، كما أننا اكتشفنا أن عقل المرأة ليس فيه نقص؛ فكثير 
منهن تقلدن المناصب فأبدعن، وكثير منهن قدمن للعالم ما لم يقدمه كثير ممن اكتمل عقلهم من الرجال. 
الدوغماتية هي حالة من الجمود الفكري، يتعصب فيها الشخص لأفكاره لدرجة رفضه الاطلاع على الأفكار المخالفة، وإن ظهرت له الدلائل التي تثبت أن أفكاره خاطئة، سيحاربها بكل ما أوتي من قوة، ويصارع من أجل إثبات صحة أفكاره وآرائه، وهي حالة شديدة من التعصب للأفكار والمبادئ والقناعات، لدرجة معاداة كل من يختلف عنها. كما أن من سمات الدوغماتية القطع برأي معتقد بغض النظر عن الحقائق أو ما يحصل على أرض الواقع. 
إن خطورة هذه الحالة تكمن في أن صاحبها يعادي بكل شراسة من يختلف عن أفكاره، ويتبنى آراء لا تتوافق مع آرائه وقناعاته حتى يصل به الحال لشيطنة كل من يخالفه، وتخوين كل من يعارضه، وتأليب الناس على كل من يصادم أفكاره، وقناعاته. 
ليس من العيب أن تتبدل أفكارنا، وليس من النقص أن تتغير آراؤنا وقناعاتنا، ولكن النقص والعيب ألا نعرضها للامتحانات، ولا نختبرها بالتجارب، ولا نبحث في مدى صحتها، فأكثر الناس يقينا في الغالب هم أكثر الناس جهلا، وأكثر الناس شكا هم في الغالب أوسعهم فهما، وأكثر الناس تخلفا هم من لا تتغير أفكارهم، ولا تتبدل آراؤهم وقناعاتهم، ولا يقبلون النقاش فيها من الأساس.