حمزة السالم

اختارت الصين الشيوعية كأيديولوجية للتحرر من الإمبراطور؛ فأعلن ماو عام 1948م الصين جمهورية شعبية، ولكنها أدركت سريعًا حتمية التغيير؛ فقد رأى القادة الصينيون تناقضات الاقتصاد الاشتراكي، ولم يخادعوا أنفسهم؛ فما لبثوا أن بدؤوا الإصلاحات على يد الماركسي دنج عام 1978م.

لم يحتَج القادة الصينيون لأكثر من ثلاثين عامًا ليصححوا المسيرة، وليعترفوا بالخطأ؛ فقادوا بلادهم بهدوء إلى الاقتصاد الحُرّ. وتبنَّى الروس الماركسية؛ ليتخلصوا من القياصرة، ولكنهم -على خلاف الصينيين- تأخروا في الاعتراف بحتمية التغيير؛ واستمروا في خداع أنفسهم؛ فكان تخليهم عن الشيوعية قهرًا لا اختيارًا؛ فكان تحولهم انهيارًا كاملاً لجميع مؤسسات الدولة والمجتمع، وها هم يقبعون اقتصاديًّا وثقافيًّا في ذنب دول العالم.

لا يخلو التحول الأيديولوجي في الصين من المناورات الدعائية، وتلطيف المسميات لإرضاء عواجيز النظام المتكلسين، كتسمية النموذج الصيني الجديد بـ(اشتراكية السوق) أو (اشتراكية على الطريقة الصينية). 

ولم يخلُ الإصلاح من تضحيات كبيرة بالسلطة؛ فقد بدأ الحزب الشيوعي الحاكم بالفقدان التدريجي للسلطة؛ فالرئيس اليوم يمارس سلطة أقل من جيانج الذي كان أقل سلطة من دنج الذي كان أقل سلطة من ماو. 

ومن السهل تخيل السلطة التي كان يتمتع بها المسؤولون في زمن التخطيط المركزي ودكتاتورية الحزب الواحد؛ فقد كانت الدولة هي من تقسم الأرزاق وتوزع المحاصيل التي تحولت الآن إلى قوى السوق.

ضحى الحزب الشيوعي بكثير من السلطات من أجل الإصلاح؛ فأصبح اقتصاد الصين اليوم أكبر بتسعين مرة منذ بداية عهد الإصلاح في أواخر السبعينيات؛ فقد تناقلت وسائل الإعلام احتلال الصين مركز ثاني أكبر اقتصاد في العالم في الربع الثاني من عام 2010. وهذه المعلومات صحيحة من حيث الأرقام المجردة، ومضللة من حيث الإنتاج الحقيقي؛ فالصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم منذ بداية الألفية الثانية.

وللإيضاح، ففي عام 2009م -مثلاً- بلغ الناتج المحلي للصين بالأرقام المجردة 4.9 تريليون دولار، واليابان 5.07 تريليون دولار. ولكن لو أن ما أنتجته الصين في ذلك العام 2009م قد أُنتج في أمريكا لقاربت قيمته تسعة تريليونات دولار. ولو أن ما أنتجته اليابان في العام نفسه 2009م قد أُنتج في أمريكا لبلغت قيمته 4.1 تريليون دولار. وذلك يعني أن كمية إنتاج الصين أكبر مرتين، وزيادة من إنتاج اليابان، وأقل من إنتاج أمريكا بالثلث تقريبًا؛ إذ تجاوز إنتاج أمريكا لعام 2009م أربعة عشر تريليون دولار.

ومن المتوقع أن تصبح الصين خلال عقدين من الزمن أكبر اقتصاد في العالم. فهل ستكون الصين بذلك أعظم اقتصاد في العالم آنذاك؟ وأقصد بأعظم هنا هو القدرة على التحكم في اقتصاديات العالم (والتحكم غير التأثير). والجواب: لا. فإضافة إلى غياب الشفافية والديمقراطية، فالصين تفتقر إلى الخبرة البنكية والمهارات المالية. وافتقار الصين إلى الخبرات المهنية البنكية والمالية لم يأتِ من فراغ، بل مرده هو أن التمويل ليس له دور مهم في الاقتصاد الاشتراكي الذي كانت الصين تتبناه سابقًا، والذي يقتبس منه ما يسمى بالاقتصاد الإسلامي عندنا اليوم معظم أطروحاته.