زاهي حواس

قبل سفري إلى بيرو، وصلتني رسائل من المسؤولين عن الآثار هناك، عن الكشف عن مومياء أطلق عليها «سيدة تساو». وهي مومياء لشابة صغيرة كانت الحاكمة على هذه البلاد. وكان هناك تأكيد على ضرورة قيامي بزيارة هذا الكشف. ورغم أنه حدث منذ سنوات مضت؛ فإن الإعلام ما زال مهتماً بالمومياء الخاصة بالفتاة الشابة التي حكمت بيرو. وعندما وصلت إلى الموقع وجدت في انتظاري مدير المنطقة ومعه أثرية شابة مبتسمة الوجه، بالإضافة إلى مندوبي الصحف والتلفزيون.

والمومياء عثر عليها في مقبرة على قمة المعبد وحولها التضحيات البشرية التي كانت تُقدم عندما يكتمل القمر ويأخذ اللون الأحمر، وهذا يعني تجميع الدماء البشرية لكي تُقدم للتضحية. والمومياء معروضة الآن داخل متحف في الموقع الذي عثر فيه عليها، وعندما كُشفت كان وزنها يصل إلى ما يقرب من 120 كيلوغراماً تقريباً؛ نظراً للآثار واللفائف والتماثيل الفخارية.

ومن الغريب أن يدي المومياء مرسوم عليها وشم للثعابين، والتي كانت رمزاً للنهر الذي يفيض بالخير على الصحراء.

والمنطقة التي عثر فيها على المومياء هي موقع «آل بورجو» واكتشفها عالم الآثار فرانكو جوردان. وكانت هذه المومياء لسيدة حاكمة، وكاهنة في نفس الوقت، وكانت تحكم وادي تشيكاما في بيرو، وذلك في وقت ازدهار حضارة الموش ما بين عامي 100 – 700 بعد الميلاد، في شمال بيرو، قبل أن تسيطر إمبراطورية الإنكا على المنطقة.

وقد توفيت «سيدة تساو» في سن صغيرة عام 450 ميلادياً، وعثر بجوار المومياء داخل المقبرة على أسلحة وحُلي ومتعلقات خاصة بالسيدة، من خواتم وعقود من الذهب، وهذا يدل على مكانة صاحبة المومياء.

وقد قام العلماء بدراسة المومياء، واتضح أن «سيدة تساو» كانت في صحة جيدة، ولم يكن هناك أي أمراض للوفاة، ولكن توفيت وهي تلد ابنها. ولكن ما يعطي للمومياء جمالاً هو مشاهدة وشوم تغطي ساقيها وذراعيها من أشكال لثعابين وعقارب، وأشكال أخرى ذات خصائص سحرية. كما عثر بجانب مقبرتها على جثة فتاة مراهقة صغيرة، ويعتقد العلماء أن هذه الفتاة قد قُدمت قرباناً لـ«سيدة تساو» لكي ترشدها إلى الحياة الأخرى وتخدمها في الوقت نفسه؛ ولذلك دُفنت إلى جوارها.

وقد أحدث هذا الكشف صدى عالمياً في عام 2005، وذلك لأن هذه أول مرة يعثر فيها على مومياء لسيدة حاكمة ومحنطة، وخاصة للاعتقاد بأن الرجال فقط في حضارة الموش كانت لهم الأحقية في تقلد مناصب مهمة. كما تم العثور على عدة مقابر بجوار «سيدة تساو» تحتوي على مومياوات لسيدات أخريات من حضارة الموش، اللاتي تم دفنهن مع مشغولات ذهبية تشير إلى مكانتهن الرفيعة.

وحضارة الموش كانت تقوم على الزراعة في الأساس، بالإضافة إلى صناعة النسيج والحرف اليدوية والفخار، وكانت هذه الحضارة تتكون من عدة مجتمعات، لكل منها عائلة حاكمة خاصة بها، ويرجح وجود صلة قرابة بين العائلات، ولكن لم يحدث توحيد لجميع القبائل إلا في أوقات قليلة.

المومياء معروضة بمتحف رائع، وكان الشيء الجميل هو وجود آلاف من الطلاب الصغار ينظرون إلى المومياء بانبهار.