كوكب العراق

 فاتح عبد السلام

 نظر في وجهي وقال : هل تعرف انني من النوادر الباقين من جيل الحروب الأولى.

 كان الرجل العراقي يتحدث عن الحرب وكأنه شهد الحرب العالمية الاولى ، بل خُيّل لي أنه شهدها فعلاً ، حين قطّب جبينه ، وهو يقول: هناك كان الناس يموتون بالجملة .

حاولت تقدير عمره ، وفشلت ، قلت في نفسي انه من مواليد القرن التاسع عشر وشهد حرب نهاية الدولة العثمانية عام ١٩١٨ ، ثم صححت لنفسي قائلاً ، لابد انها حرب هتلر عام ١٩٤٥ ، وترددت ثم اقنعت نفسي بأنه شهد الحربين العالميتين معاً ،لشدة كلامه المأساوي عن فضائع الحروب وما خلفته وراءها من أجيال تالفة .

أخرجت صوتي هذه المرة ، وقلت: عن أي الحروب تتكلم ؟

قال: اسمع قاتلت في الجبال عام ١٩٧٠ وحتى عام ١٩٧٥ ، واعتقدت انها كانت نهاية الحروب ، لأنني كنت صغيراً من دون تجربة ، ثم قاتلت في حرب عام ١٩٨٠ على حدود ايران ثماني سنوات ، وقلت أيضاً ، لا حرب بعد هذه الحرب . لكنني وجدت نفسي مقاتلاً عام ١٩٩٠ في حرب الخليج الاولى حتى عام ١٩٩١ ، وبعدها مسحت الحرب من قاموس تفكيري بالقوة، لكنني فشلت حين وجدت نفسي في حرب بوجه الامريكان عام ٢٠٠٣، وبعد عشر سنوات قاتلت داعش في الفلوجة ثم الموصل في حرب جديدة .

توقف ، وامتص سيكارته ، كأنها آخر نفس في الحياة ، قائلاً : أنا عراقي ، يعني أنا في حرب دائمة ، شئت أم أبيت ، نحن لسنا كشعوب الارض . لعلنا في كوكب ثان أو انّ هذا الكوكب لم يعد يتسع لنا ، ما من حرب إلا وقد حطّت رحالها عندنا .

ضحك كأنه يتمرغ في وحل الذكريات : حروب ثم حروب ثم حروب . نحن من كوكب العراق .

سكت ، أطرق لحظات ورفع رأسه ، قائلاً : لمَ تسألني كلّ هذه الاسئلة ، قل لي بربك ، من أي كوكب أنت ؟