الحياة دون أوراق نقدية

ليون برخو

النقود كانت ولا تزال جزءا مهما من حياتنا. النقود رافقت الإنسان منذ نحو أربعة آلاف سنة.


النقود الورقية حديثة العهد جدا مقارنة بالنقود التي كانت سابقا تسك من المعادن الثمينة ولا سيما الذهب والفضة.
وكان الناس في قديم الزمان وما زالوا يكتنزون الذهب، المعدن الذي يراه كثير من الأغنياء والمستثمرين والمضاربين في صرف العملات أنجع للادخار من النقود الورقية، وذلك لثبات سعره مقارنة بالعملات الصعبة.
بيد أن الذهب تقريبا انتهى دوره كعملة في الإمكان تداولها في حياتنا اليومية. اليوم نعتمد بصورة أساسية على النقد الورقي وبدرجة أقل بكثير على النقد المعدني.
ليس الذهب فقط، بل النقود بأشكالها المختلفة في طريقها إلى أن تصبح من الماضي وهناك دولة واحدة في العالم صارت قاب قوسين أو أدنى من إلغاء تداول النقد حتى في معاملات تجارية بسيطة.
هذه الدولة هي السويد التي بالكاد تقع عيناك على عملتها الورقية أو المعدنية وبشق الأنفس تستطيع سحب مبلغ نقدي بسيط من المصارف.
آلات الصرف الأوتوماتيكية لا تزال متوافرة وبكثرة ولكن الناس لا يرتادونها كالسابق، لأنهم لم يعودوا في حاجة إلى النقد.
والعبارة التي تواجهك اليوم حتى عند دخولك إلى مقهى صغير لتناول الشاي، تقول: "المحل لا يقبل الدفع نقدا".
لم يتوقع الناس في السويد أن تكون دولتهم الرائدة في العالم في التخلي عن النقد. في العام الماضي جرت 99 في المائة من كل المبادلات التجارية ومعاملات البيع والشراء بواسطة بطاقات الائتمان أو من خلال الهواتف النقالة الذكية.
والسويديون رائدون في التكنولوجيا الرقمية. لقد استنبطوا عدة تطبيقات عملية وأمينة وسهلة الاستخدام تمكن الناس من الدخول في معاملات شراء ولو كانت تكلفتها أورة واحدة (الكرونة السويدية تساوي 100 أورة والريال السعودي يساوي أكثر من كرونتين).
هناك مميزات إيجابية كثيرة لوضع العملة الورقية والمعدنية جانبا. لقد أصبح التداول أسهل بكثير من السابق، وصار من الصعوبة بمكان غسل الأموال ودفع الرشا والتهرب من الضريبة وكذلك شهدت السويد هبوطا حادا في السرقات.
الناس هنا تحب ليس فقط امتلاك الأجهزة الرقمية الذكية، بل تمتلك ناصية إنتاج برمجياتها وتشغيلها. ما إن تطرح شركة سويدية تعنى بالصناعات التكنولوجية الذكية تطبيقا لأداء المعاملات التجارية من خلال الهاتف النقال حتى يصبح ركنا من أركان أي هاتف في السويد.
وهناك اختراعات رقمية ذكية مثل التطبيق الذي اخترعته شركة فتية سويدية الذي يمكّن الهاتف النقال من تحويل المال إلى شخص آخر من خلال استخدام رقم الهاتف فقط.
وهناك تطبيقات تسمح بالتداول من خلال الهاتف النقال في لمح البصر. هذه التطبيقات مكنت الجمعيات الخيرية من القيام بجمع المال من المتبرعين بطريقة إلكترونية من خلال متطوعيها الذين يجوبون الشوارع.
وترى اليوم المكائن التي تقرأ بطاقات الائتمان وتتعامل مع التطبيقات الجديدة في يد الشخص الذي يبيع نفاخات الهواء للأطفال وقد تجدها أيضا لدى المشردين ـــ وهؤلاء أعدادهم قليلة جدا في السويد ـــ لتسهيل عملية الدفع إن أراد أحد المارة تقديم المساعدة.
تقريبا كل شخص وحتى الأطفال في أعمار معينة يمتلكون أجهزة الهاتف الذكي. أما من حيث المواصلات فتعد السويد واحدة من أكثر البلدان في العالم ربطا بالشبكة العنكبوتية.
والدولة توفر الأجهزة الرقمية الشخصية مجانا لطلبة وتلاميذ المدارس حال بلوغهم الـ 12 من العمر. كل طالب يتسلم حاسوبا صغيرا (لوحيا) له من الامتيازات والطاقة ما يملكه أحدث جيل للهاتف النقال.
وهذا ما يجعل الناس تقبل على التطبيقات الحديثة بسرعة وتتبناها قبل الآخرين.
ولكن من المفارقة لا بل الطرافة ما لاحظته أخيرا، حيث مضت الدولة في تنفيذ وعد لها في عام 2010 لتبديل كل العملة الورقية والمعدنية بعملة جديدة وبمواصفات يقال لا تملكها أي عملة أخرى في العالم.
كان آخر موعد للسويديين تسليم ما لديهم من عملات قديمة بأخرى جديدة في نهاية العام الماضي. رغم الموعد النهائي لاستبدال العملة، المصارف لم تشهد أي ازدحام أو تراكض للناس لأن أغلبهم لم يعد يستخدم عملة ورقية أو معدنية.