عزة السبيعي

عندما تدخل قاعة الحقائب في المطار تستقبلك عاصفة برتقالية من العمال تحييك مرحبا أنت في السعودية بلاد الملايين من العمال الذين تقول ابتسامتهم إنك لا يجب أن تتصرف كإنسان سليم ومعافى، وتنتظر حقيبتك ثم تلتقطها لأنهم موجودون من أجلك لراحتك ورفاهيتك وهم متأكدون أنك لا تبالي بالثلاثين ريالا التي ستمنحها لعاملين على الأقل سيسيرون خلفك وأنت تتذكر آخر محطة أقلعت منها ودفعت حقائبك بنفسك وكانت الثلاثين ريالا وقتها مازالت في جيبك.


عند بوابة المطار سيستقبلك سائق «المدام» والذي يحصل على ما لا يقل عن 1500 ريال، وتكلفك معيشته ألفا أخرى، وفِي البيت هناك عامل آخر يعتني بفناء البيت وبعض الأمور الصغيرة، وفِي الواقع هو ليس لديه امتيازات السائق، لكنه مكلف أيضا بفيزته وإقامته وراتبه ومعيشته، لكن لا أحد يقوم بعمله ولا حتى ابنك المراهق الذي يقوم أترابه في بلدان أخرى بالعمل بمثل هذه الأعمال مهما كانت مكانة والديه ودخلهما.
في البيت أيضاً خادمة، وهي تكلف مثل ما يكلف السائق مع مشاكل اجتماعية وإنسانية أخرى تشعرك بتأنيب الضمير أحياناً، لكنك تتجاهل هذه الحقائق عندما تذكر ما يقتطعه وجودها من راتبك وغضب زوجتك من فكرة أن ترتب سريرها بنفسها، وتعد لك الشاي بنفسها.
أنت تتفهم موقف زوجتك لأنك أنت نفسك لا تغير «اللمبة» في مكتبك وتطلب من السائق أن يحضر كهربائيا وأحيانا سباكا لأمور أصغر رغم أنك تذكر جيداً أنه أثناء وجودك في الغرب للدراسة كان الناس يفعلون كل هذه الأمور بأنفسهم، ويدخلون دورات قصيرة لتعلم مثل هذه الأشغال البسيطة، لكنك حقا لا تعرف ماذا حدث لك منذ عدت من غربتك وانصهرت مع مجتمعك، بل إن نفسك فاجأتك ذات يوم وأنت تطلق منبه سيارتك ليخرج عامل البقالة، وتخبره بطلبك الذي عجزت أن تنزل من سيارتك لتأخذه.
ثم مضيت إلى المحطة ولم تخرج من السيارة، وتولى تزويد سيارتك بالبنزين عامل آخر، ثم قررت غسل سيارتك، وألقيت المفتاح على عاملين آخرين كانا ينتظرانك تحت البناية التي فيها مكتب صديقك، والذي ناقشته حول كثرة العمال في السعودية، وأن الحكومة يجب أن تجد حلا في كل هذه الأعداد من المقيمين، لكنك غضبت عندما أخبرك أنك المشكلة، وأنت الذي لا تريد أن تعمل أي شيء بنفسك، لكنك تذكرت شيئا مهما تستطيع به رد حجته في نظرك، فكدت تقول ألست أنت من تزعم أنك تحتاج إلى عمال لمؤسستك، ثم تبيع فيزهم وتتستر عليهم، وتنشرهم في الشوارع والطرقات غير مهتم بأن ذلك يستنزف اقتصاد البلد وموارده.
لكنك تذكرت أنك جئت إليه لأنك تريد الاستدانة منه، فالراتب لا يكفي الحاجة، وكل هؤلاء العمال ينتظرون رواتبهم منك، ويجب أن تجد مخرجاً لتسديدها، لذا قلت له إن معه حقا وإنه سيتغير، لكن يجب أن يعود إلى البيت بمعاشاتهم التي لا يسعفها معاشك.