حسن حنفي

 هذان اللفظان القرينان أقرب إلى الفكر العربي المعاصر منهما إلى الفكر الإسلامي القديم. ويفيدان معاني التضامن والتكامل والأخوة والتعاون المتبادل. وهي معانٍ موجودة في الفكر الإسلامي القديم.

ومع ذلك فلفظ «كفل» لفظ قرآني ورد نحو عشرين مرة بمعنى الرعاية والتربية. وقد تعني جزءاً أو نصيباً أو جانباً مثل (وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا). وهي نفس المعاني الموجودة في استعمالات لفظ «كفل» في السنة النبوية الشريفة. والمعنى الأكثر شيوعاً هو الرعاية. فقد كفل الرسول، صلى الله عليه وسلم، جده وعمه. وإبراهيم يكفل ذراري المسلمين في الجنة، و(من كانت له ثلاث بنات فصبر عليهن وسقاهن وكساهن كن له حجاباً من النار). ويعني اللفظ أيضاً التعهد، كما يعني كذلك القضاء، مثل التكفل بقضاء الدَّين عن الميت. وهو نفس المعنى السائد في كتب الفقه في باب الكفالة للأشخاص وللقروض وللديون. وهو نفسه معنى التحمل لجزء من المسؤولية.

وقد عرض الفلاسفة للتكافل الاجتماعي بمعنى الأخوة بين الأصحاب مثل «إخوان الصفا». ومع ذلك تبرز معاني التكافل الاجتماعي في ألفاظ أخرى مثل الملكية، ملكية المال أو الأرض أو حق الفقراء في أموال الأغنياء في مؤسسات مثل الزكاة والصدقة وبيت المال، ووسائل توزيع الثروة، وتذويب الفوارق بين الطبقات، وحقوق الإنسان، وحق الجار، والتكفير عن الذنوب سواء بتحليل ألفاظ مقاربة مثل اليتامى والمساكين وأبناء السبيل والفقراء في الكتاب والسنة أو بعرض مؤسساتها في الفقه.

ويقوم التكافل الاجتماعي على تصور عام للكون ينتج عن قواعد عامة لعلاقة الإنسان بالطبيعة وبغيره من البشر، ومنبثق عن التوحيد. فالتوحيد ليس فقط عقيدة بل هو أساس الشريعة، ليس فقط تصوراً بل نظام. فالله سبحانه وتعالى هو المالك لكل شيء، ولله ملك السموات والأرض. والإنسان يوجد في العالم ولا يملكه، والله هو الوارث لكل شيء ولله ميراث السموات والأرض. والميراث العام نتيجة طبيعية للملكية العامة. والإنسان مستخلف فيما جعله الله وديعة بين يديه. له حق التصرف والانتفاع والاستثمار، وليس له حق الاكتناز والاحتكار والاستغلال بطريقة غير ملائمة. فالملكية وظيفة اجتماعية لتنمية الموارد وسيولة رأس المال. فإذا أساء الإنسان استخدام هذه الوديعة كان للسلطة العامة الحق في انتزاع الملكية من أجل إعادة السيولة المالية والحركة الاجتماعية لها. وهو ما يسمى بلغة العصر مصادرة رأس المال المستغل أو المنهوب، وتأميم المصالح العامة، ونزع ملكية الأفراد عن الوسائل العامة للإنتاج.

وهنا يبدو حق الجار كدليل على التكافل الاجتماعي، ليس منا من بات شبعان وجاره طاوٍ. فالرزق للجميع. والجار كالأهل، «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى طننت أنه سيورثه». ويتحدث القرآن الكريم عن الجار ذي القربى والجار الجنب. وقد ذكر لفظ «الجار» ثلاث مرات. الأولى بمعنى الإحسان للجار ذي القربى مثل الإحسان بالوالدين وبذي القربى واليتامى والمساكين. والثانية بمعنى ملاصقة الجار للجار (وَالجارِ ذِي الْقُرْبَى وَالجارِ الجنبِ وَالصَّاحِبِ بِالجنبِ) مما يدل على مدى القربى. والثالثة بمعنى الدفاع عن الجار (وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ).

ومن مظاهر التكافل الاجتماعي رد فضول أموال الأغنياء إلى الفقراء. وهو ما يعني بلغة العصر إعادة توزيع الدخل. فعندما بدأ التفاوت الطبقي يظهر في المجتمع الإسلامي تقرر ذلك. كما قرر عمر رضي الله عنه إعادة النظر في المؤلفة قلوبهم بعد عام الفتح، وإعادة النظر في العطاء طبقاً لمبدأ الرجل وأسبقيته في الإسلام. وهي نفس الدعوة التي ظهرت في بداية التفاوت الطبقي بين الأغنياء والفقراء. وعندما نزلت آية ( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) سأل الناس: الزكاة؟ قال الرسول: «في المال حق غير الزكاة». وهو حق من حقوق الفقراء على الأغنياء.