ناجي صادق شراب

 

تقدم مصر والإمارات العربية المتحدة نموذجاً جديراً بالاحتذاء والبناء عليه في العلاقات العربية -العربية. ويقوم هذا النموذج على استيعاب كل المتغيرات والمستجدات في العلاقات الإقليمية والدولية. ويتجاوز حدود النظريات التقليدية في تفسير العلاقات بين الدول، والتي تقوم أساساً على مبدأ المصالح المشتركة فقط. 

 

ومن أبرز مؤشرات هذه العلاقات تنمية نموذج اللقاءات المباشرة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقيادات دولة الإمارات، وخصوصاً صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. والمستوى الثاني للعلاقات يتمثل في الزيارات المتبادلة على مستوى النخب السياسية الحاكمة، والمستوى الثالث للعلاقات هو ما يتم على مستوى النخب الفكرية والعلمية، وأخيراً المستوى الشعبي.

فمصر دولة محورية ومركزية في قلب النظام الإقليمي العربي، ولا يمكن تصور نظام عربي فاعل وقوي دون استعادة دور مصر، والقيام بدورها. كما أن الإمارات دولة مؤثرة وفاعلة في المنظومة الخليجية العربية وعلى المستوى العربي والدولي، وهنا أهمية اكتمال الأدوار في مرحلة التحول في موازين القوى الإقليمية والدولية، والتغير في مفاهيم القوة، وبروز دور القوة الشاملة، وخصوصاً القوة الناعمة التي تملك منها الإمارات الكثير. فاليوم تعتبر دولة الإمارات من الدول التي تملك القوة الناعمة والذكية، وبالمقابل تملك مصر القوة الصلبة الأساسية في تحديد مكانة الدول على سلم القوى العالمي. فمصر تملك أقوى الجيوش العربية، وتتصدر قائمة الدول الإقليمية. وهذه القوة الصلبة تحتاج إلى مزيد من الفاعلية والتطوير والأداء، وامتلاك التقنيات الحديثة في تكنولوجيا السلاح. وهنا يمكن أن تساهم الإمارات بدور مهم. ويمكن للإمارات أن تعوض النقص في قوتها الصلبة بالقوة التي تملكها مصر، وباكتمال عناصر القوة يمكن أن تبرز لنا دولة قوية مؤثرة وفاعلة في وقت يتصاعد فيه دور القوى الإقليمية التي تستهدف منطقة الخليج العربي بما لها من قدرات استراتيجية وحاسمة في تحديد عناصر القوة الشاملة من نفط ومال وموقع استراتيجي. ومن ناحية أخرى فإن قوة مصر مستهدفة في جيشها من قبل الجماعات الإرهابية والدول الإقليمية مثل «إسرائيل» وإيران وتركيا؛ لإدراكها أن قوة مصر وفاعليتها فيها إجهاض وفشل لسياسات هذه الدول التي تسعى للتغلغل في قلب المنطقة العربية، وتعيد ترسيمها بما يتفق ونفوذها ومصالحها التي باتت تتجاوز حدودها الإقليمية.


والعلاقات بين مصر والإمارات ليست وليدة اليوم، بل تعود بجذورها التاريخية للحظات الأولى لقيام دولة الإمارات العربية المتحدة في ظل أجواء إقليمية ودولية وطموحات وأطماع دول كادت أن تعصف بالدولة لولا السياسة الحكيمة والعقلانية للمرحوم الشيخ زايد، طيب الله ثراه، والذي أدرك ببصيرته السياسية ماذا تعني العلاقات مع مصر، والذي كان حريصاً على تقويتها ودعمها بكل الوسائل، وبالزيارات المتبادلة التي كان يقوم بها إلى القاهرة. ولذلك فإن تقليد الزيارات الرئاسية اليوم بين البلدين وضع أسسه الشيخ زايد. ولا ننسى قرار قطع البترول في حرب أكتوبر1973 الذي اتخذه الشيخ زايد تحت شعار «البترول العربي ليس بأغلى من الدم العربي»، والقرار الحكيم بالإصرار على عودة مصر إلى القلب العربي بعد المقاطعة العربية ونقل الجامعة العربية في أعقاب زيارة الرئيس السادات للقدس وتجميد عضوية مصر وقتها، ليبادر الشيخ زايد ويطالب بعودة مصر والجامعة العربية. نفس النهج والسياسة تسير عليهما دولة الإمارات اليوم. 
وتأتي أهمية هذه العلاقات في هذه المرحلة التاريخية المفصلية في تاريخ الأمة العربية، حيث تواجه المنطقة تحديات كبيرة في أعقاب ما يسمى «الربيع العربي»، ووصول «الإخوان» للحكم في مصر وتونس ومحاولة نشر هذا الحكم في الدول الأخرى، ومع بروز وتصاعد الدور «الإسرائيلي» والإيراني والتركي في المنطقة وتزايد التدخلات في العديد من الدول العربية كاليمن والعراق وليبيا وسوريا، بهدف السيطرة على المنطقة. وتأتي العلاقات أيضاً في ظل التحولات في موازين القوى الدولية، وتصاعد الدور الروسي والصيني، وانكفاء الإدارة الأمريكية، وتأتي في أعقاب الأزمة مع قطر بسبب دورها التخريبي في المنطقة، والتي استوجبت تنسيقاً ليس على مستوى العلاقات الثنائية بل على مستوى دول المنطقة وفي مقدمتها السعودية، وذلك لمواجهة موجة الإرهاب والتدخلات الخارجية التي لا تقتصر على دول المنطقة، بل تتعرض لها كل المنظومة العربية، لأن الهدف هو النظام الإقليمي العربي كله واستبداله بالمشروعين الإيراني والتركي، والمشروع «الإسرائيلي» بطموحاته الصهيونية الشرق أوسطية. ولذلك فإن أهمية العلاقات بين الإمارات ومصر تتجاوز المصالح المشتركة، والمصالح الأمنية المتبادلة، بل أيضاً تهدف إلى حماية الأمن القومي العربي، فالهدف الاستراتيجي للعلاقات بين البلدين هو المحافظة على المشروع العربي، ومن ناحية أخرى فإن العلاقات بين البلدين منفتحة على غيرها من الدول العربية، وخصوصاً تكامل العلاقات مع السعودية لتشكيل نواة لنظام إقليمي عربي، ولقوة عربية قادرة على مواجهة تصاعد القوى الإقليمية والدولية، وقادرة على الحيلولة دون تفكيك المنظومة العربية، وسيكون لها تأثيرها الإيجابي والمباشر على القضية الفلسطينية والمصالحة الفلسطينية، واستعادة القضية الفلسطينية لمكانتها العربية وهيبتها الدولية.. هذا النموذج في العلاقات يؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات العربية العربية.