& FINANCIAL TIMES

الليرة التركية العملة الأسوأ أداء في العالم .. ما السبب؟

&

&دانيال دومبي&&

العملة التركية المترنحة التي خسرت 5 في المائة من قيمتها مقابل الدولار يوم الإثنين، و4 في المائة أخرى يوم الخميس، انخفضت 16 في المائة يوم الجمعة.


فلماذا تعاني الليرة كل هذه المتاعب وهي عملة بلد كثيرا ما تمت الإشادة بديناميته الاقتصادية وموقعه الجغرافي الذي يحسد عليه – كونه قريبا جدا من كل من الأسواق الأوروبية والشرق أوسطية؟
وما دور حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يدعي أنه عمل على تغيير وجه الاقتصاد خلال فترة وجوده في المنصب الممتدة 15 عاما؟ فيما يلي، تبحث "فاينانشيال تايمز" في السبب الذي أدى إلى هذا التراجع العجيب في قيمة العملة التركية، والذي أثار أعصاب المستثمرين وأدى إلى تساؤلات حول الكفاءة الاقتصادية للحكومة.
ما السبب في هذا التراجع يكاد يخطف الأنفاس؟


الليرة التركية هي أسوأ عملة رئيسية أداء في العالم، إذ خسرت أكثر من 40 في المائة من قيمتها منذ بداية العام وحتى الآن. قبل خمس سنوات كان الدولار يشتري ليرتين. يوم الجمعة كان الدولار يشتري أكثر من 6.50 ليرة.
هنالك نطاق واسع من الأسباب التي أدت إلى ضعف العملة. على مدى الأسبوع الماضي تركز الانتباه على نزاع تركيا غير العادي مع الولايات المتحدة، إحدى حلفاء الناتو منذ أكثر من 60 عاما. فرضت وزارة الخارجية الأمريكية عقوبات على تركيا بسبب احتجازها قسا إنجيليا من ولاية كارولينا الشمالية – وهي تدابير تسببت في اضطراب الأسواق. وفشلت محادثات جرت في وزارة الخارجية الأمريكية في حل المشكلة والخروج من المأزق.


هل القصة كلها تدور حول قضية القس؟ لا، هناك عوامل أخرى في تركيا تسببت في هذا الوضع.
ازدهر البلد بفضل تدفق الأموال الأجنبية الداخلة التي غالبا ما تكون قصيرة الأجل، جزئيا بسبب اتباع سياسة نقدية فضفاضة جدا في الولايات المتحدة وأوروبا، شجعت المستثمرين على البحث عن عوائد أعلى في تركيا وغيرها من الأسواق الناشئة الأخرى.


بعض المحللين يعدون منذ فترة طويلة أن ازدهار تركيا نتاج "مفعول التسهيل الكمي" – بلد استفاد من مشاريع شراء الأصول الضخمة من قبل الاقتصادات المتقدمة. لكن في الوقت الذي يصبح فيه التسهيل الكمي في كل من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو جزءا من التاريخ – على الأقل في هذه الدورة الاقتصادية – أصبح حصول تركيا على الأموال التي تحتاج إليها أمرا يزداد صعوبة الآن.
وهذه مسألة لا يمكن تجاهلها. فبحسب تقرير صادر عن "إيه بي إن آمرو" يوم الخميس، المستثمرون يشعرون بالقلق من أن تركيا قد لا تكون قادرة على تمويل متطلبات التمويل الخارجي السنوي لديها البالغة 218 مليار دولار تقريبا – تشمل أموالا لازمة لخدمة ديون الشركات التركية المقومة بعملات أجنبية، إضافة إلى العجز الضخم في الحساب الجاري للبلد. وأضاف التقرير أن السيناريو الأساسي لا يزال يتضمن قيام تركيا بجمع أموال كافية، لكن "الشائعات المتعلقة بضوابط رأس المال المحتمل فرضها على تحويلات العملة الأجنبية والحصول على مساعدة من صندوق النقد الدولي عملا على زيادة تفاقم التوتر في سوق العملات الأجنبية".
ما الذي تعتقد الأسواق أنه ينبغي أن يحصل الآن؟&
كثير من المستثمرين يطالبون الحكومة التركية باتخاذ خطوات هدفها إبطاء الاستهلاك في تركيا وكذلك إبطاء الاقتصاد الموجه نحو البناء في البلاد. المنطق يقول إن الزيادات الضريبية وقيود الإنفاق ستقلل من مخاطر التباطؤ الاقتصادي الشديد وتؤدي إلى تقليص العجز في الحساب الجاري، الذي يصل الآن إلى أكثر من 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ومع تقليص العجز يتقلص اعتماد البلاد على الأموال الأجنبية. إبطاء الاقتصاد يمكن أن يعمل أيضا على تقييد التضخم الذي يصل الآن إلى أكثر من 15 في المائة.
وارتفاع أسعار الفائدة يمكن أن يساعد على محاربة التضخم وإبطاء مسار الانخفاض في قيمة الليرة، أو عكسه – وهذا اعتبار مهم تماما بالنسبة للشركات التركية التي تعاني الديون المقومة باليورو والدولار والتي زادت بشكل كبير في السنوات الأخيرة.


وفقا لبيانات البنك المركزي، مطلوبات الشركات التركية غير المالية بالعملات الأجنبية تتجاوز الآن أصولها من النقد الأجنبي بأكثر من 200 مليار دولار. خلال الـ 12 شهرا المقبلة فقط، سيتعين على المؤسسات الخاصة غير المالية تسديد، أو تأجيل سداد 66 مليار دولار من الديون بالعملات الأجنبية. بالنسبة لمصارف تركيا، يصل الرقم إلى 76 مليار دولار.
هل يوافق أردوغان؟


حتى الآن لم يكن أردوغان ـ أقوى حاكم تركي منذ مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الدولة الحديثة ـ مقتنعا بالحاجة إلى "إعادة توازن" الاقتصاد.
اتخذت حكومته عددا من الإجراءات – بما فيها إعفاءات ضريبية – للحفاظ على استمرارية النمو بعد محاولة انقلاب دموية باءت بالفشل عام 2016، وهو متردد منذ ذلك الحين في إبطاء وتيرة الأمور. وهو يهاجم أيضا منذ وقت طويل أسعار الفائدة العالية – التي وصفها هذا العام بأنها "المسؤولة تماما عن جميع الشرور" – معتبرا أنها تشكل عائقا مبالغا فيه أمام روح المشاريع في تركيا.
في مقابل هذا السيناريو، أثبت البنك المركزي التركي أنه – ربما بشكل غير مستغرب – متردد في زيادة أسعار الفائدة، إذ امتنع عن فعل ذلك الشهر الماضي، رغم توقعات واسعة النطاق بإدخال زيادة على أسعار الفائدة. المشكلة هي أن البنك لديه عدد قليل من الأدوات التي يمكنه استخدامها، على اعتبار أنه عمل على تحديد احتياطيات النقد الأجنبي التي يمكنه من خلالها التدخل في السوق.
ما الدور الذي لعبه انزلاق تركيا نحو الاستبداد في الأزمة؟


رئاسة أردوغان الموسعة بشكل كبير هي بالتأكيد محط اهتمام. بعد محاولة الانقلاب أصبح يحكم وبشكل متزايد بموجب المراسيم. في العام الماضي فاز في استفتاء عمل بشكل كبير على توسيع صلاحياته الرئاسية – صلاحيات دخلت حيز التنفيذ بعد فوزه بفترة ولاية جديدة رئيسا للدولة في حزيران (يونيو) الماضي.
شعر كثير من الحكومات بالقلق الشديد إزاء ما تعده الحكم التعسفي المتزايد للرئيس والمناخ الحكومي، الذي أصبح بشكل متزايد أشبه بالبلاط.
في السابق، خلال فترة أردوغان التي امتدت طويلا، كانت الشخصيات التي تتولى حقيبة الاقتصاد هي شخصيات تكنوقراطية مثل علي باباكان، أحد المفاوضين السابقين مع الاتحاد الأوروبي ووزير الخارجية، ومحمد سيمسك، الخبير الاقتصادي السابق لدى بنك ميريل لينتش.


لعب مثل هؤلاء المسؤولين دورا مزدوجا: غالبا ما يقدمون الحجة الاقتصادية التركية إلى العالم – ولا سيما لمديري صناديق التمويل والمصارف الاستثمارية – ثم يقدمون المشورة إلى أردوغان بعيدا عن مسارات الإجراءات، التي يعدونها خطيرة، مثل الزيادات في ضوابط رأس المال.
أحيانا كان يسبق الارتفاع في أسعار الفائدة لدى البنك المركزي مشاورات بين أردوغان ومسؤول مثل باباكان، الذي يمكن أن يجادل بعدم وجود أي بديل متاح. بعد فوزه في الانتخابات التي أجريت في حزيران (يونيو) عيَّن أردوغان صهره، بيرات البيرق، وهو مسؤول تنفيذي سابق في مجال الأعمال، ليكون مكلفا بوزارة المالية القوية. وكما أظهر أداء الليرة لاحقا، يبدو أن الأسواق ليست مقتنعة تماما بهذه الاستراتيجية.