&عبدالله الحسني

مفهوم «حقوق الإنسان» مفهوم فضفاض ملتبس وضبابي يُفْرِط الغرب في استخدامه والتلويح به بين فترة وأخرى بطريقة فجّة لا تتواءم مع معناه وجوهره الحقيقي؛ فهو لا يتكئ على مبادئ راسخة كما أراده الله سبحانه وتعالى، هذا الحق الإلهي الذي فرضه الله على البشرية جمعاء وبما يكفل العدل الحقيقي والنقي المبرّأ من النزوات البشرية وتشوّهاتها..

لا ينفكّ البعض من دول «الغرب» يُفكّر بذات العقلية العدائية والاستعلائية، وينطلق في أفكاره وتصوّراته ومرجعيّاته من مُنطلَق أيديولوجي ومعرفي متعالٍ..!، ويتعامل مع نظيره اللدود «الشرق»، من هذه الزاوية الضيّقة والمتحيّزة التي تسعى إلى تنميطه وإجباره على تَمثُّل أفكاره ومنظومة قيمه ونسقه المعرفي والثقافي، وكأنّ هذا «الشرق» قاصر عن الرُّشد، لا يستطيع النهوض بأعبائه واستحقاقات وجوده، ولا يستطيع ممارسة فنّ التفكير، أو الخروج من شرنقة «الفكر الغربي»، هذا الفكر الذي يحاول أن يفرض هيمنته ومفاهيمه تحت شعور يتملّكه أنّ هذا «الغرب» هو الوحيد الذي يمتلك الحقيقة المطلقة، يستبطنه شعور راسخ بأنّه «مركز الكون»، وضابط توازنه، وضامن خيريّته ورخائه ورفاهه.

الأزمة السياسية العابرة التي حدثت بين المملكة وكندا، ما هي إلا أنموذج واقعي يعكس هذا العِداء الغربي لكل ما هو شرقي، وهو عداء مستتر ومتجدّد لا يلبث أن يُطلّ برأسه بين فترة وأخرى؛ يؤجّجه هذا التراكم التاريخي الذي دأب عليه هذا «الغرب»، مستغلاًّ هيمنته على الفضاء المكاني والإعلامي والتقني الذي تجاوزنا فيه، منذ أن استنمنا على تخدير تفوّقنا وتميّزنا وأمجادنا السابقة منذ عهد غابر، ولم يشفع لنا هذا الإرث الحضاري العريق والثقافي الممتدّة جذوره إلى آلاف السنين. وقد ساعد على هذا التفوّق لدول الغرب وهيمنتها تلك الانهزامية وحالة الاستخذاء والتذرُّر والتشتّت التي يعيشها العرب المرزوء في تشرذمه وذهاب ريحه واستكانته.

عودة للموقف الكندي المُستهجن والمنافي للأعراف الدبلوماسية والأخلاقية المتمثّل في تدخّل سافر ومستفز ومرفوض لشأن داخلي لا علاقة لها به، ومحاولة إملاء رخيصة مثيرة للسخرية حين طالبت بالإفراج عن أشخاص متورطين ومتهمين بالتآمر على بلادهم ضاربين بالمواطنة الحقّة واستحقاقاتها من إطاعة ولي الأمر وعدم الافتئات عليه عرض الحائط، فضلاً عن الإساءة لبلادهم والسعي لإثارة الفوضى والبلبلة وكل ما يتنافى مع أبسط الواجبات المنوطة بهم كمواطنين. عليه فيمكننا قراءة الموقف عبر النقاط الآتية:

الموقف الغربي عموماً يمارس ازدواجية وتخليط في تعاملاته، وكندا أنموذج يفسّر هذا التخليط، حيث نلحظ حالة الرعونة والصفاقة والاستخفاف في التعاطي مع أي حدث عربي؛ من ادّعاء المثالية والتشدّق بالتعابير والمصطلحات الفضفاضة كالعدل والحرية والديقراطية والمساواة وحقوق الإنسان، حيث تعزف هذه الدول على وتر العواطف واستمالة الآخرين عبر هذه العاطفة، ولعل من المفارقات أنّ توصيف تلك الحقوق وتكييفها وصياغتها يتم وفق أهوائها ومصالحها وأجنداتها السياسية المشبوهة، إذ لا تلبث أن تتعرّى وتنكشف متهاوية حين تتعاطى مع المطالبين بتلك الحقوق داخل حدودها، وترزح تحت زنازنها أعداداً لا يستهان بها من مخالفي الرأي والمتضررين من قمعها وسياستها الظالمة، فيما تمارس تناقضاً سافراً وهي تندب نفسها لمن حولها كحمامة سلام تنشد الخير والجمال والسلام.

مفهوم «حقوق الإنسان» مفهوم فضفاض ملتبس وضبابي يُفْرِط الغرب في استخدامه والتلويح به بين فترة وأخرى بطريقة فجّة لا تتواءم مع معناه وجوهره الحقيقي؛ فهو لا يتكئ على مبادئ راسخة كما أراده الله سبحانه وتعالى، هذا الحق الإلهي الذي فرضه الله على البشرية جمعاء وبما يكفل العدل الحقيقي والنقي المبرّأ من النزوات البشرية وتشوّهاتها.

من الخطورة بمكان خلط المصطلحات وأدلجتها من قبل بعض الدول ذات النزعة العدائية لمصالح الخارجين عن الأنظمة والمتآمرين على دولهم، وإسباغ تلك المسمّيات على مطالباتهم عبر توظيف تعبيراتها الرنانة الخادعة، مع العلم أن هذا الخلط لن يغيّر من الحقيقة شيئاً ولن يمنح السلوك الخائن مسوّغاً ومبرّراً لاقترافه.

العالم الإسلامي بحاجة لنهضة فكرية حقيقية لتجديد آليات تفكيره عبر مثقفيه ورجالات فكره تعيد موقَعتِهِ لمكانته اللائقة به كحامل لأنبل وأعظم رسالة للبشرية؛ دين السلام العظيم الذي نظّم الحقوق والواجبات وكفل أداءها عبر تشريع إلهي عظيم يرتكز على العدل والمساواة والمودّة والسلام لا صياغة عقول بشرية قاصرة تتنازعها الأهواء والنزعات الشرّيّة التي تختنق بالعبودية والتّعنصُر والطبقية المقيتة.