&أحمد إفزارن

&- الرشوة عندنا "ارتقت" إلى التعليم العالي..

وبالرشوة يحصل "الزبناء" حتى على أعلى الشهادات..

جامعتنا واضحة.. صادقة مع نفسها.. تمارس عقدتها "النفسية المريضة" بحرية تامة.. وأمام الملأ..

- و"السيبة" لم تعد تستثني حتى رحاب الجامعة..

مسؤولون جامعيون يتاجرون في الشهادات، بالليل والنهار، وحتى بالهاتف.. ولا يخشون أحدا..

والأسعار محدودة.. لكل شهادة ثمنها..

وهم يبيعون حتى النقط..

ولكل نقطة قيمة مالية..

الجامعة تبيع لمن يدفع.. تستنسخ الفساد..

ومنها "تستفيد" مؤسسات تعليمية ثانوية.. وكل موسم امتحان، يقع تسريب أسئلة البكالوريا.. هذا يحدث منذ عقود..

وهكذا يطلع الغش من بكالوريا غير مستحقة، إلى سلاليم جامعية، مع "نجاح" مضمون، لأن الفاعلين أدرى من غيرهم بأن الرشوة طريق سالكة.. ومؤكدة..

ثم يدخل الغش إلى الوظيفة العمومية، مرفوع الرأس.. وينشر الفساد، مع شبكة الفاسدين، في ربوع البلاد..

الصورة واضحة..

وهي كاملة..

الصورة كاملة..

- وعلى الجهات المسؤولة أن تقوم بواجبها!

وجب الحسم في الرشاوى التعليمية.. إنها تسئ للبلد.. كل البلد.. بدون استثناء.. من الصغير فينا إلى الكبير..

تسئ لنا جميعا..

لقد انفجرت الرشوة في وجوهنا، ولا مجال لتغطية الشمس بالغربال..

وسؤال أساسي: لماذا تخلت الجامعة عن دورها الفكري الاستراتيجي؟

الجواب عندكم.. والملاحظ أن الجامعة، التي أنتم تتحكمون فيها، تقتصر على تفريخ بشري، في قوالب جاهزة..

مسؤولوها يتعاملون مع شبابنا، وكأن الشباب بلا عقول..

لقد تراجعت الجامعة عن قيمها الفكرية، ورسالتها الإنسانية، وصار هدفها هو التوجيه إلى تقليد طفيليات "جامعية" تحمل شهادات عليا، ربما هي أيضا اقتنتها من الداخل أو الخارج..

- أسواق الرشوة مفتوحة!

طفيليات تسئ لنفسها ولغيرها، وتحديدا لنزهاء مقتدرين في الهيأة التدريسية، والهيأة الوظيفية، ولكل الجامعة، بل لكل البلد..

ولا يجوز التعميم..

عندنا كفاءات جامعية تستأهل كل احترام، وطلبة مجدين ملتزمين مجتهدين..

والمشكل قائم في السياسة الجامعية التي تسبح في اتجاه معاكس..

ولقد بلغ السيل الزبى..

وفي الأفق، لا مخارج.. ولا ملامح حلول..

وزارة التعليم العالي لا تعبأ.. وعندما تتدخل، فلكي تبرر..

والحكومة لا يهمها إلا أن تكون الجامعة، مثل مصانع الدجاج، تفريخا للشهادات.. شهادات ليست كلها مبنية على كفاءة.. شهادات لمن يدفع الرشوة..

الجامعة لا شغل لها إلا التفريخ، مقابل الأموال..

- والسكتة القلبية الجامعية ربما وصلت إلى الجامعة، وربما بشكل أفظع من السكتة السياسية والاقتصادية المنتظرة!

وقد أصبحت الجامعة ملطخة بالفساد.. وبتجارة الشهادات السوداء..

الجامعة قد حولوها إلى وكر لسماسرة..

وما زالت معرضة لتدخلات من قريب وبعيد..

وحتى من جهلاء في البرلمان، والمجالس المحلية، وكبار الإدارات.. ومن أباطرة المال..

وهذا الوسط بحاجة إلى كثير من الشهادات، لتلميع الصورة..

الشهادات تباع أمام الملأ..

والمساومات والتحرشات حاضرة فاعلة بكثافة..

فيروس الفساد المدمر قد تسلل إلى الجامعة المغربية.. ينخر الناشئة، ويصيبها بالخلل واليأس والتفكك..

فأين هي الجامعة المعروفة بنقاش الأفكار التي تطغى على الفضاءات الوطنية، وتشكيل منابر ومراصد ومناظرات لرؤية مستقبلية أوضح؟

أين هذه الجامعة، وقد أدارت وجهها إلى المتاجرة في الشهادات العليا؟

أين هي الجامعة؟ وهي ذات رسالة سامية من أعمدتها: إعادة النظر في استنتاجات علمية سابقة، ومن ثمة الخروج بتصورات مستقبلية جديدة تعطي نفسا جديدا لتقدم البحث العلمي الوطني..

وهل عندنا بحث علمي؟

الجامعة تستنسخ نفس الأفكار، ومن خلالها نفس العقلية السلبية.. مع كائنات جاهزة لتقليد غيرها..

وعندما تشتغل، تكتشف سلوكات أخرى، فاسدة، ومن هذه السلوكات تتعلم أنها قد لا تترقى إداريا، إذا لم تنخرط في منظومة الفساد..

الفساد يستشري في كل شرايين الجامعة..

والجامعة تستنتسخ هذا الفساد، وتسربه إلى إدارات البلد..

انتهى زمن كانت فيه الجامعة مركزا للوعي الوطني، وللقوى الحية في البلد، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وكانت تساهم مساهمة فعلية في بناء الكفاءة المغربية العليا..

ربما انتهت هذه المهمة..

وانزلقت الجامعة إلى الحضيض..

وأصبح دورها تسليع البشر: تحويل المتعلمين إلى سلع لاستخدامهم وفق احتياجات دفاتر التحملات..

انزلقت من الفكر إلى السلعة!

ومن منبر للحوار الوطني، إلى وكالة عقارية!

ومن معقل للقوى الحية، إلى مختبر لتفريخ كائنات هجينة..

وهذا يستهجنه شباب جامعيون يتسمون بأخلاق، وضمير، وإصرار على المعرفة، ومزيد من المعرفة.. والفهم..

هؤلاء الشباب، الإيجابيون، المجدون المجتهدون، يجدون بجانبهم من تم تحريفهم، واستقطابهم في اتجاهات أخرى لا علاقة لها برسالة الجامعة..

والجامعة ليست مستقلة عن باقي المؤسسات..

وما يقع هنا، يقع هناك، ويتسرب إلى هنالك..

وفيها جميعا إشكالية واحدة: تغييب استقلالية الفكر، ومن ثمة استقلالية القرار..

الفكر يتم توجيهه ليكون نسخة طبق الأصل من قراءة خاصة للسياسة العامة..

وفي هذا السياق، لا تجد فرقا بين عقلية في مؤسسات وزارة الداخلية، ومؤسسات وزارة التعليم، من الابتدائي إلى العالي..

كلها تردد نفس الأسطوانة، تحت أضواء تعليم عال..

ولا تجد فرقا بين عقلية جل من يديرون الجامعة، ومن يديرون جماعة من الجماعات المحلية..

نفس العقلية، ونفس التوجيه حاضر هنا، وحاضر هناك، في وزارة التعليم العالي، ومن خلالها في مختلف الجامعات..

وهذا ما يفسر اشتراك هذه المؤسسات في نفس العاهة والعرقلة: الفساد!

ومسؤولون كثيرون تسمعهم يرددون نفس أدبيات الولاء الرسمي، بل يستغلون لغة الولاء، لممارسة الفساد الإداري..

والاجتماعات لا تنتهي..

وتسأل عن القائد، فيقال لك إنه في اجتماع.. وعن العميد، فتسمع نفس الجواب.. كلهم في اجتماعات تلو اجتماعات..

وما يقال في هذه الاجتماعات؟

- كلام مكرر..

ولو كان هذا الكلام يصر على استقلالية التفكير، لكانت الاجتماعات تنتج أفكارا متنوعة بناءة، تنعكس في السلوك الإداري..

ولا فرق في هذه العقلية بين إدارات الحكومة، وتحديدا بين الجامعات..

وأمام عقلية تنتج نماذج منمطة من التفكير، تبقى كل الإدارات تحرص على سلامة القولبة الوطنية..

فالهدف هو إنتاج أجيال مقولبة من المهد إلى اللحد..

ولو كانت الجامعة فيها تأطير فعال، على أساس استقلالية التفكير، لكانت تنتج عقولا لا تجد حرجا في مراجعة نفسها في كل ما تعلمته منذ الطفولة..

وقليل من الجامعيين عندنا يحرصون على عدم التبعية لما كرسته المدرسة والإدارة في الأذهان، ومفادها: لا تسأل عن كذا! لا تناقش في كذا! ولا كذا! لا تكن متبوعا! كن تابعا! منفذا لكل ما يقال لك!

مواضيع متحجرة، مغلقة، لا يجوز التساؤل بشأنها، ومنها الدينية والسياسية والاقتصادية وغيرها...

ومن المهد إلى اللحد، تكون المدارس، من الحضانة إلى العالي، تكرس هذه اللاءات.. الممنوعات.. الخطوط الحمراء..

- ادخل "سوق رأسك"!

وعندما يتوظف خريج الجامعة، يردد نفس اللاءات، وعلى أساسها يتواصل، ويتفاعل..

ويكون سلوكه نسخة مما حفروه في دماغه من الطفولة إلى الجامعة، وفي الإدارة..

دماغه مبرمج على لاءات أصبحت لديه تقليدا يردده ويعمل به دون تفكير..

وكثيرون يدخلون إلى الجامعة وهم جاهلون بأهم أبجديات فن الحياة، ويتخرجون منها وهم أجهل.. ويدخلون إلى وظائف، ويصبحون هم أيضا ببغاوات يكررون نفس ما تسمعه في أية إدارة أخرى..

والكل يتكلم عن نزاهة الجامعة، وفي الواقع عندنا جامعات ما هي مصانع تنتج قوالب بشرية، على أساس: "لا تتدخل في كذا وكذا، التزم بكذا وكذا، وطبق بدون تردد كل ما تأمرك به الجهات الجامعية العليا"...

وهكذا تنتشر في الجامعات مصانع القولبة..

قوالب غير مرئية، ولكنها ترافق كل معني، من المهد إلى اللحد..

- وتفرغه من شخصيته الحقيقية!

وتجده اليوم، غير ما كان عليه بالأمس، حتى وهو صديقك أم ابن عمك..

كثيرون عندما نلتقيهم بعد الدراسة، نكتشف أنهم ليسوا نفس الأشخاص الذين عرفناهم أيام زمن..

لقد تغيروا.. أصبحوا أشخاصا آخرين، في أشكال بشرية سبق أن عرفناها في أوقات سابقة..

كثيرون يتقولبون عندما يصبحون موظفين..

وفيهم من يفرض عليك رشوة، لكي يقدم لك خدمة هي أصلا من واجباته..

بشر يتغيرون بسهولة.. وبسلبية..

ولا يستحضرون أنهم كانوا في الماضي أشخاصا على العموم طيبين، خدومين، يطالبون بالجدية والنزاهة..

لقد بدلتهم الجامعة، وأصبحوا أشخاصا غير من كنا نعرف..

قامت الجامعة بإفراغهم من شخصيتهم الحقيقية.. وغسلت أدمغتهم..

وحتى الجامعة نفسها تم إفراغها من دورها الحقيقي، وهو تعليم الطلبة كيف يفكرون..

ولا تريدهم أن يفكروا: "إن دورك هو أن تسمع، وتنفذ!"..

هذا دور الجامعي، كما تريده الجامعة، سواء كان موظفا أو أستاذا..

الجامعة تتخذ التفكير شعارا فقط..

وفي الواقع لا تحب من يفكرون..

لا تحب من يتسمون باستقلالية التفكير..

ومن يطرحون الأسئلة: "من؟ ماذا؟ متى؟ أين؟ لماذا؟ كيف؟..."..

الأسئلة تقود إلى الحقيقة..

وأكثر الجامعات يقودها أشخاص لا يقبلون من يطرح أسئلة..

الأسئلة قد تجعل الطلبة يكتشفون خريطة الفساد الجامعي.. ويكتشون أن فلانا ليست له شهادة عليا حقيقية.. وأن فلانا سمسار في الشهادات.. وأن الجامعة فقدت مصداقيتها، بسبب فاسدين وفاسدات، منهم محاضرون ومحاضرات..

وهذه الفئة هي النموذج الذي تصنعه القولبة الجامعية، وهو أن يكون الأستاذ أستاذا، ولكن في عباءة الموظف..

وعندما يفقد الأستاذ شخصيته، ومن خلالها الفكر الحر، يكون طيعا في قبضة العميد، والعميد في يد رئيس الجامعة، وهذا بيدق في يد وزير التعليم العالي...

وهكذا تعاملت الحكومات المتعاقبة مع الحقل التعليمي، وجعلت منه مصانع تنتج نفس النماذج البشرية التي يتم إعدادها لتحمل المسؤوليات..

وكثير ما هم إلا بيادق يتم تسييرها من مدير أو وزير، أو حتى أبسط موظف في أم الوزارات..

ومصدر هذا الوباء هو: الجامعة..

الجامعة تراجعت عن مسؤولياتها..

وعن تعليم النظري، ومعه الطبيقي..

وتعليم مقومات الأخلاق، وهي مرتبطة بالسلوك..

وتعليم كيف يساهم خريجوها في بناء دولة المؤسسات..

وكيف يكونون قدوة لغيرهم..

فهل تعي الجامعة دورها الحضاري؟

وكيف تكون الجامعة بدون مراقبة أخلاقية وسلوكية؟ ومراقبة إعداد الشهادات؟ والمناقشات؟ والنتائج؟

عندما تنهار الجامعة، فكل بنيان التنشئة قابل للانهيار..

- انقذوا الجامعة المغربية!