زياد الدريس

 قبل ذهابي للعمل في اليونيسكو (عام 2006)، كنت أتساءل: ماذا استفاد العرب؟ لكنني بعد تجربة عشر سنوات هناك، جعلت سؤالي: ماذا خسر العرب؟!

هذان السؤالان، المتفائل والمتشائم، ينطبقان على المنظمات الدولية كافة وليس على اليونيسكو فقط، لكن مع تفاوت في درجة الاستفادة أو الخسارة من منظمة إلى أخرى ومن دولة إلى أخرى.

سبق أن قلت إننا أمضينا زمناً طويلاً أقنعنا فيه أنفسنا بأن المنظمات الدولية لعبة بيد القوى المتنفذة، لكن من يدخل دهاليزها سيكتشف خطأ اعتقادنا، فالمنظمات ليست لعبة بل هي ملعب!

لكن كلنا يعلم أن الركض المثمر في الملعب يتطلب: مهارات، لياقة، معرفة باللاعبين الآخرين، معرفة بالتوقيت المناسب للهجوم والمناسب للدفاع.

نحن العرب ظللنا سنوات طويلة، للأسف، ندخل (ملعب) المنظمات الدولية قبل أن نستعد ونأخذ بأسباب الكسب فيها.

في السنوات الأخيرة تحسّن الوضع العربي كثيراً، ليس فقط في اليونيسكو، بل في منظمات أخرى غيرها. كأننا بدأنا نتجاوز فكرة (العضوية الصامتة)، أي الانتظام في دفع المساهمة السنوية، لكن دون الانتظام في صف المستفيدين من مجالات المنظمات واختصاصاتها.

التحرّك العربي في اليونيسكو خصوصاً، بدأ ينتعش بعد إدراك تأثير (القوة الناعمة) في حلبة التزاحم الدولي، بعد أن كان العرب لعقود طويلة لا يمنحون الاهتمام لغير الأمم المتحدة في نيويورك!

استطاع عرب اليونيسكو المشاركة في وضع بنود اتفاقية التنوّع الثقافي، واتفاقية صون التراث الشفوي، واتفاقية الأخلاقيات الحيوية، كما التفت العرب كثيراً إلى تسجيل تراثهم العظيم في لائحة التراث العالمي، بعد أن ظلت اللائحة لسنوات طويلة شبه محتكرة لتراث الدول الغربية.

طبعاً، إن التصويت لدولة فلسطين عام 2011 لتكون دولة كاملة العضوية في اليونيسكو شكّل منعطفاً في مسيرة منظمة اليونيسكو، وليس في مسيرة العرب في اليونيسكو فقط. هذا ما عدا تأثيره في المنظمات الأخرى.

كما أن إنشاء احتفالية (اليوم العالمي للغة العربية) قد صنع فارقاً ملموساً من الاهتمام بالعربية بين اللغات الدولية الست في المنظمات.

فهل هذا يكفي؟

في الحقيقة، إن هذه النتائج تُعتبر بداية فقط لتحرّك «اللاعب» الذي ظل سنين طويلة قابعاً في وسط «الملعب» من دون أن يلعب!

ما زال أمام العرب مساحة واسعة يمكنهم التحرّك فيها وتحقيق أهدافهم من عضوية المنظمات الدولية، دوليةً كانت أهدافهم أم إقليمية أم حتى محلية/ وطنية.

لحسن الحظ أن (الفيتو) الذي يسبّب إحباط المستضعفين لا يوجد في غير نيويورك. أما في المنظّمات الأخرى، فإن أضعف دولة عربية لها صوت مساوٍ لصوت أقوى دولة غربية.

إذا كان الحال كذلك، فمن الذي يمنعُنا من أن نتحرّك ونبني الاتفاقيات التي تخدم احتياجاتنا بما لا يتعارض مع الاحتياج الإنساني، وأن نطالب بحقوقنا التي ظلت مشكوكاً فيها لزمن طويل، وأن نتواضع قليلاً فنستفيد من المنظمات بوصفها بيوت خبرة في معالجة أخطائنا التي تعيق تَقدّمنا وتنميتنا؟

عِوضاً من السؤال: من الذي يمنعنا؟!، أُفضِّل أن أجعله: ما الذي يمنعنا؟!