علي سعد الموسى 

بعد أسبوع من العنف الدامي في ثورة عشرات المدن الإيرانية، تكاد تبدو للمراقب فرصة أولى لتحليل الأهداف والدوافع. بكل تأكيد هي ابتدأت كثورة ضد الجوع والفقر، ولكن أيضاً تحولت لتتبلور في ثناياها صلب أهداف سياسية خالصة. من وجهة نظري الخاصة فإن جزءاً كبيراً من حركة الشارع الإيراني الجارفة تعكس انقسامات حادة بين أطراف رأس الهرم السياسي في طهران، وهم في الواقع رؤوس كثر. أسهم في ذلك طبيعة بناء التركيبة البيروقراطية لمنظومة أركان الحكم الإيراني. يتكون رأس الهرم السياسي في إيران من ستة أجنحة ولكل جناح منها درجاته من النفوذ التي تنتهك وتتقاطع في ذات مساحات الأجنحة المرادفة والموازية. هم المرشد الأعلى ورئيس الجمهورية ومصلحة تشخيص النظام ومجلس النواب وانتهاء بالحرس الجمهوري ثم الجيش الإيراني. هذا الأنموذج من بناء الإدارة العليا للدولة لا يحدث إلا في إيران بهذا التوزيع العشوائي جداً للصلاحيات ومساحة النفوذ. بنى الخميني هذه التركيبة المتداخلة ربما لأنها كانت الأنسب في الأيام البكر للثورة الإيرانية من باب استخدام كل جناح ليكون رقيباً متسلطاً على أي جنح أو محاولة تململ لبقية الأجنحة. الحرس الثوري، مثلاً، لتحييد الجيش، والمرشد لكبح مكانة رئيس الجمهورية، ومصلحة تشخيص النظام لاختيار أو عزل الاثنين، والثلاثة على حد سواء لسحب صلاحيات البرلمان.
وبعد أربعين سنة من هذا الشكل اكتشف الشعب الإيراني أنه المهمل المنسي في آخر ملفات الصراع الهرمي بين أجنحة رأس السلطة. اكتشف أن هذه الأجنحة المتضادة لا هم لها سوى ملفات ما كان خارج الخريطة الإيرانية، إضافة إلى قصة المفاعلات النووية. ملفان استنزفا موارد إيران المحدودة في الأصل والتي بالكاد لا تفي بحاجات ثمانين مليون مواطن.
الخلاصة أن ما يحدث اليوم في إيران في جزء منه حركة احتجاج شعبية غاضبة، ولكنه في جزء مهم آخر صراع أجنحة حكم، لا أستبعد على الإطلاق، بعضها مسؤول عن تحريك هذه المظاهرات وعن الدفع بها من أجل إعادة ترتيب شبكة النفوذ. هناك شيء ما، ما بين المرشد ورئيس الجمهورية، ومثلما يبدو جلياً إحجام من الحرس الثوري مثلما نلمس غياباً متعمداً للجيش الإيراني.