أحمد عبد المطلب

تتصاعد الاحتجاجات المناهضة للنظام في إيران بعد أسبوع على بدايتها، والتي شهدت مقتل 21 متظاهرا واعتقال أكثر من مائة آخرين من جانب قوات الأمن التي تسعى لإجهاضها وسط تزايد الضغط الدولي على النظام الإيراني للسماح بحرية التعبير وعدم قمع المتظاهرين.


وأعادت الاحتجاجات إلى الأذهان مظاهرات عام 2009 التي خرجت منددة بتزوير الانتخابات التي فاز بها الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد على حساب المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي، وحينها نجح الأمن في إخمادها عبر القتل وقمع المتظاهرين السلميين.
وعلى عكس احتجاجات 2009، لم تكن الشرارة الأولى للمظاهرات من طهران مركز الدولة، وإنما بدأت من مدينة مشهد، ثاني أكبر المدن الإيرانية، قبل أن تمتد إلى كثير من المدن الأخرى ومن بينها العاصمة. وكذلك تختلف الدوافع وراء الاحتجاجات التي تتسع رقعتها يوميا وكذلك يتصاعد عدد القتلى فيها ليبلغ 21 قتيلا بحسب السلطات الإيرانية نفسها، وفي حين كانت دوافع احتجاجات 2009 سياسية في المقام الأول اعتراضا على تزوير مزعوم بحسب أنصار موسوي، فإن الأسباب الرئيسية لاحتجاجات اليوم اجتماعية في المقام الأول، خرج فيها الفقراء والمعوزون، الذين ضاقوا بمغامرات النظام الإيراني خارجيا، وهو ما يجعلها أكثر خطورة وفاعلية وقدرة على إحداث التغيير. فهل تستطيع الاحتجاجات الحالية للمظلومين اجتماعيا واقتصاديا في إسقاط نظام المرشد في إيران؟
أحد الاتهامات الشعبية الموجهة للنظام الإيراني التركيز على القضايا الخارجية على حساب الوضع الاقتصادي داخليا، ومثال على ذلك تدخل طهران في اليمن عبر دعمها لميليشيا الحوثي الانقلابية بالسلاح والمال، وكذلك دعمها للميليشيات المسلحة في العراق وسوريا بحثا عن نفوذ وفرض نفسها كدولة عظمى تتحكم في سير الأمور بالمنطقة، وتدخلها في الشأن اللبناني عبر ذراعها ميليشيا «حزب الله»، وهي أمور ليست ببعيدة عن المواطن الإيراني الطامح في واقع أفضل، خاصة بعد إظهار رفع العقوبات الدولية على إيران على خلفية الاتفاق النووي الإيراني مع الولايات المتحدة وأوروبا على أنه طوق النجاة لرفع المعاناة المستمرة منذ عقود تحت نظام المرشد.
ولا يخفى على المواطن في إيران كذلك الإنفاق العسكري الضخم في الآونة الأخيرة، حيث زادت ميزانيتها العسكرية لتصل إلى 11.6 مليار دولار أميركي، 53 في المائة منها من نصيب الحرس الثوري، وكذلك الإصرار على تطوير البرنامج الصاروخي الباليستي، بعد زيادة أخرى بنسبة 13 في المائة في عام 2016 بحسب وكالة «رويترز» للأنباء.
حقيقة أخرى ربما أدركها المواطن الإيراني، وهي أنه لا يوجد فرق بين حكم الإصلاحيين والمحافظين، فالكلمة الأولى والأخيرة للمرشد، وبالتالي لا يمكن إغفال اشتعال الاحتجاجات في ظل الرئيس الإصلاحي حسن روحاني، والذي وعد بتحسن الأوضاع الاقتصادية بعد إعادة انتخابه في مايو (أيار) الماضي.
وبينما قتل نحو 30 شخصاً على مدار ثماني شهور من احتجاجات «9 دي» التي بدأت في يونيو (حزيران) 2009، فقد قتل أكثر من ثلثي هذا العدد في أقل من أسبوع على بداية احتجاجات المظلومين المنادين بوضع معيشي أفضل ورفعوا هتافات «الموت لروحاني» و«الموت للديكتاتور» في إشارة إلى المرشد علي خامنئي.
ومما يمنح الاحتجاجات الحالية حظوظا في التأثير وربما تغيير المشهد السياسي في إيران هو أنها خرجت من دون قيادة محددة، ومن ثم فإن جميع من يشاركون فيها يشعرون بأنهم قادة للمظاهرات، بينما كان مير حسين موسوي قائدا لمظاهرات 2009.
أحد محركات الاحتجاجات الأخيرة كان الفساد الذي ينخر في البلاد، خصوصا في عهد الرئيس السابق أحمدي نجاد والذي تجلت ملامحه مع الزلزال الذي ضرب البلاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وأودى بحياة أكثر من 530 قتيلا، حيث اتضح أن بعض المنازل المنهارة بنيت بعد عام 2011 في إطار خطة الإسكان منخفض التكلفة في عهد نجاد الذي ترك السلطة بعدها بعامين. ونقلت وسائل إعلام حكومية عن الرئيس روحاني قوله في اجتماع للحكومة الإيرانية: «عندما يصمد منزل بناه مواطنون في منطقة سربيل زهاب وينهار مبنى أمامه شيدته الحكومة فهذا دليل على وجود فساد»، مضيفاً: «واضح أن عقود البناء بها فساد». كما واجه نجاد خلال العام المنصرم اتهامات بإساءة استخدام أموال حكومية تقدر بمليارات الدولارات في فترة ولايته الثاني بين 2009 و2013. وقال مدعي ديوان المحاسبات: «تم إعلان التهم على البرلمان... ويعمل ديوان المحاسبات تحت إشراف البرلمان الإيراني».
وتقول مؤسسة «بورغن» العالمية والمعنية بمكافحة الفقر إن ثروة المرشد الإيراني تقدر بنحو 95 مليار دولار أميركي، فيما يستحوذ كبار السياسيين والمسؤولين الإيرانيين على منابع ثروات البلاد.
ومع استمرار الاحتجاجات التي يبدو أنها لن تتوقف قريبا، حتى أن النظام لجأ إلى تنظيم مظاهرات مناوئة حشد فيها الآلاف لتأييده وتعليق عمل بعض مواقع التواصل الاجتماعي، تتزايد الضغوط الدولية على طهران في محاولة لإثنائها عن قمع المظاهرات بعد سقوط قتلى. وفي اليوم الأول للمظاهرات، أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن دعمه للمحتجين، مؤكدا أن النظام الإيراني «قمعي ولن يستمر إلى الأبد»، وجدد دعمه أمس بوصفه للنظام بأنه «وحشي وفاسد»، قائلا إن «كل الأموال التي منحتها إدارة أوباما بحماقة إلى النظام ذهبت إلى الإرهاب وجيوبهم»، بينما الشعب الإيراني يعاني من نقص الطعام وارتفاع التضخم وغياب حقوق الإنسان، مضيفاً: «الولايات المتحدة تراقب».
وفي اتصال هاتفي مساء أمس (الثلاثاء)، حث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره الإيراني على إظهار ضبط النفس في التعامل مع الاحتجاجات، معربا عن قلقه بشأن عدد القتلى والجرحى في الاحتجاجات، كما أبلغه بضرورة احترام حرية التعبير والاحتجاج. وأعربت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني كذلك، عن أسفها «للخسارة غير المقبولة في الأرواح البشرية» في مظاهرات إيران، مؤكدة أن الاتحاد الأوروبي «يراقب عن كثب» المظاهرات، مضيفة في بيان باسم الاتحاد الأوروبي أن «التظاهر السلمي وحرية التعبير هما حقان أساسيان ينطبقان على جميع الدول، وإيران ليست استثناء».