عوني صادق

في الساعات الأخيرة من العام 2017، أوعز رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو لقيادة حزبه باتخاذ قرار يقضي عملياً بضم الضفة الغربية المحتلة وإخضاعها للسيادة «الإسرائيلية». وفي التوقيت نفسه، أطلق الرئيس الفلسطيني محمود عباس جملة من الأقوال محصلتها ما سمعه الشعب الفلسطيني منه في العقدين الماضيين!. وبين أفعال نتنياهو وأقوال عباس تضيع فلسطين، أو على الأصح ما بقي من فلسطين، وهو ما أصبح يستوجب على الشعب الفلسطيني أن يتحرك لأنه ممنوع ضياع القضية!.


في وقت يتواصل فيه الغضب الفلسطيني رفضاً لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتبار القدس (عاصمة ل «إسرائيل»)، وفي آخر أيام العام 2017، يوم الأحد الماضي، وافق المؤتمر العام لحزب (الليكود)، الذي يترأسه بنيامين نتنياهو، على فرض السيادة «الإسرائيلية» على جميع المستوطنات المقامة في الضفة الغربية المحتلة. وصوّت المؤتمر بالأغلبية على مقترح قرار يدعو الحكومة «الإسرائيلية» إلى رفع كل القيود على البناء في المستوطنات بمعزل عن موقعها الجغرافي، إلى جانب دعوته إلى فرض القوانين «الإسرائيلية» بشكل تلقائي على المستوطنات في الضفة المحتلة. وجاء في القرار: إنه «بمرور 50 عاماً على تحرير أقاليم يهودا والسامرة، بما فيها القدس عاصمتنا الخالدة، يدعو مركز الليكود منتخبي الليكود للعمل للسماح ببناء حر ولإحلال قوانين «إسرائيل» وسيادتها على كل مجالات الاستيطان المحرر في يهودا والسامرة»!.
ويأتي هذا القرار تمهيداً لعرضه والمصادقة عليه في الكنيست، حيث الأغلبية مضمونة، وهو في الوقت نفسه استكمال لقرارات وقوانين سبق للكنيست أن صادقت عليها وتعلقت ببناء وتوسيع المستوطنات القائمة وشرعنة «البؤر» الاستيطانية «غير الشرعية». وقد تم ذلك مؤخراً بالنسبة ل (14) بؤرة من أصل (17) بؤرة أقيمت منذ 2011، أي أن القرار الجديد ليس جديداً بالمعنى المفهوم، وهو لم يأتِ فجأة أو من فراغ، بل خطوة في مسار قديم طويل. في الوقت نفسه، كان وزير البناء والإسكان، يؤاف غالنت، قد أعلن أن حكومته تخطط لبناء (مليون) وحدة سكنية جديدة في القدس والضفة الغربية في العشرين سنة المقبلة، وهو ما يدل على أن قرار ضم الضفة الغربية متخذ قبل القرار الأخير!.
في التوقيت نفسه الذي انعقد فيه مركز (الليكود)، تكلم رئيس السلطة الفلسطينية، رئيس منظمة التحرير محمود عباس، في مناسبة (انطلاقة فتح - انطلاقة الثورة الفلسطينية)، معلناً أن المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية «سيعقد جلسة طارئة في الأيام المقبلة» لمناقشة قضايا استراتيجية تهم الشعب الفلسطيني. وأضاف في كلمته: «كما سنمضي قدماً في جهودنا السياسية والدبلوماسية بالانضمام إلى المنظمات والمعاهدات الدولية»!. وتابع: «لن نقبل ببقاء الوضع القائم، ولن نقبل بنظام الأبارتهايد، ولن نقبل بسلطة دون سلطة، واحتلال دون كلفة، وعلى «إسرائيل» أن تعيد النظر في سياساتها وإجراءاتها قبل فوات الأوان»!. وقال: «بالرغم من كل ذلك، فإننا نقول ل«إسرائيل» إذا كنتم تريدون السلام والأمن والاستقرار، فعليكم إنهاء احتلالكم واستيطانكم لأرضنا، أرض دولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحل قضايا الوضع النهائي كافة، وعلى رأسها اللاجئون والأسرى...»!!.
والسؤال هو: هل ما زال الرئيس عباس يعتقد حقاً أن الكلمات المحنطة التي يطلقها والتي فقدت كل معنى منذ وقت طويل تكفي لإبقاء الولد الفلسطيني أمام المذياع أو التلفزيون؟! وللتأكد من الجواب، نسأل: ماذا قال الرئيس عباس في كلمته؟ 
أولاً، المجلس المركزي «أعلى سلطة» والذي ينوب عن المجلس الوطني، كما يقول، كلاهما منتهيا الصلاحية. ومع ذلك، سبق للمجلس المركزي أن اتخذ أكثر من قرار «مصيري»، أحدها وقف «التنسيق الأمني ودراسة سحب الاعتراف بدولة «إسرائيل»، ورميت كلها دون التطرق إليها ولو بالسؤال!.
ثانياً، قال الرئيس، إنه «لن يقبل بكذا وكذا...» والقائمة طويلة وقديمة، والسؤال: ماذا سيفعل بعد ذلك؟ «سنمضي قدماً في جهودنا السياسية والدبلوماسية»! وقد فعل ذلك من قبل فماذا أنتجت هذه الجهود؟ وفي القائمة أيضاً: «لن نقبل باحتلال دون كلفة»، فماذا عن احتلال بكلفة؟ 
ثالثاً، «بالرغم من كل ذلك»، «نقول ل «إسرائيل»: إذا كنتم تريدون السلام والأمن والاستقرار...»، بعد كل ذلك، مازال الرئيس يرى أنهم يمكن أن يريدوا السلام! وبناءً عليه يطالبهم أن ينهوا احتلالهم «لأرضنا» وهم يعلنون أنها «أرضهم»، ضموها واقعياً وقريباً ستكون قانونياً! 
ربع قرن من أقوال بلا رصيد، ضيعت ما قالوا إنهم سيستردونه! ويريدون بضع سنين أخرى ليضيعوا ما بقي منها، دون أن يجدوا الفرق بين الأفعال والأقوال!!.