لندن 


تكشف الوثائق الحكومية البريطانية التي رُفعت عنها السرية بتاريخ (الجمعة 29 ديسمبر) في الأرشيف الوطني البريطاني، جانباً من الاتصالات التي سبقت تحرير الكويت من الغزو العراقي في بداية عام 1991، والمرحلة التي تلت ذلك بما في ذلك مشاكل إعادة الإعمار والترتيبات الأمنية في منطقة الخليج، وقضية المحتجزين والأسرى الكويتيين لدى النظام العراقي. وتغطي الوثائق حقبتَي حكم مارغريت تاتشر وخليفتها جون ميجور بين عامي 1990 و1991.


وتتناول الحلقة السابعة من سلسلة الوثائق التي رُفعت عنها السرية قبل أيام في الأرشيف الوطني البريطاني جانباً من الاتصالات التي أجرتها حكومة جون ميجور من أجل فرض مناطق آمنة لحماية الشيعة من هجمات قوات الرئيس العراقي صدام حسين عام 1992، وتكشف الوثائق أن البريطانيين كانوا يتداولون ما إذا كانت المنطقة التي يخططون لإقامتها مع الأميركيين والفرنسيين في جنوب العراق هي منطقة حظر طيران أم «منطقة آمنة»، ويتضح من الوثائق أن جون ميجور كان يريد الاكتفاء بمنطقة «حظر طيران»، ويعارض توسيعها إلى «منطقة آمنة» علماً أن خطوة البريطانيين في الجنوب جاءت بعد سنة تقريباً من فرضهم (مع التحالف) منطقة حظر طيران أخرى لحماية الأكراد في شمال العراق، وفي حين أن منطقة حظر الطيران فوق مناطق الأكراد كانت تحت إشراف دوريات لطائرات التحالف تنطلق من قاعدة انجرليك التركية، فإن فرض منطقة مماثلة في الجنوب كانت تحتاج إلى طائرات للتحالف تتمركز في الخليج كي تتمكن من التحليق بسهولة فوق جنوب العراق.
وبحسب هذه الوثائق، قال المستشار القانوني للحكومة إن فرض منطقة حظر طيران في الجنوب يمكن تبريره قانونياً إذا تم تقديمه على أساس أن هدفه تأمين المساعدات الإنسانية للسكان الشيعة بموجب قرار مجلس الأمن 688، لكنه لفت إلى أن حكومة صدام حسين قد تتمكن من رفع دعوى قضائية بموجب القانون الدولي إذا أدى التصرف البريطاني إلى تأمين غطاء جوي لثورة شاملة يقوم بها الشيعة في الجنوب.

في وثيقة مرسلة من جي. أس. وول، سكرتير رئيس الوزراء البريطاني، إلى ريتشارد غوزني، السكرتير الخاص لوزير الخارجية دوغلاس هيرد، بتاريخ 19 أغسطس (آب) 1992، جاء ما يلي:

عمليات ضد الشيعة

لقد تناقشنا هذا الصباح في النقطة، التي أثارتها تعليقات صحافية كثيرة منذ الأمس، وتحديداً ماذا لو واصل العراقيون، على الرغم من منطقة حظر الطيران، عملياتهم البرية ضد الشيعة في جنوب العراق؟ هل نقوم بعمل «عسكري» ضدهم؟ هل يمكننا استحداث مناطق آمنة «بدل مناطق حظر الطيران»؟

لقد اتفقنا على ان من المجدي القيام ببعض العمل بشكل غير علني في خصوص هذه المسألة لتحديد «أ» ما إذا كان هناك مجال لإقامة مناطق آمنة أو القيام بإجراء على الأرض؟ و«ب» ما هي الأمور العملانية التي يحتاجها القيام بعمل «عسكري» من الجو ضد القوات العراقية ومواقع بطاريات مدفعيتها؟ و«ت» ما هي الأسس الشرعية (للقيام بمثل هذا العمل)؟ هل نحتاج إلى قرار جديد من مجلس الأمن الدولي يذهب أبعد من فرض منطقة حظر طيران؟

أود أن أضيف أنني على دراية بأن رئيس الوزراء لا يميل إلى الذهاب أبعد من «فرض» منطقة حظر طيران، لكنني أعتقد أن علينا أن نقوم بالعمل المذكور أعلاه على أساس أنه في إطار خطط الطوارئ.

اقتراح أميركي بالتأجيل

وفي رسالة أخرى، كتب السكرتير الخاص لرئيس الوزراء (وول) رسالة إلى ريتشارد غوزني بتاريخ 19 أغسطس 1992، تناول فيها القضية نفسها، ولكن بالاعتماد على معلومات حصلت عليها الحكومة البريطانية من واشنطن. وجاء في الرسالة:

مثلما سجّلت البرقية المذكورة أعلاه، لقد اتصل بي كريستوفر ماير (نائب رئيس البعثة البريطانية في واشنطن، وكان وقتها برتبة وزير مفوض، علماً أنه صار السفير لاحقاً) مساء أمس، لينقل إلي اقتراحاً من الأميركيين بتأجيل إعلاننا المقترح بفرض منطقة حظر طيران من يوم الإثنين المقبل الى الثلاثاء. يتطلع الأميركيون إلى تلقي رد فوري منا بالموافقة على طلبهم، كي يتمكنوا هم من الذهاب إلى الفرنسيين ليقولوا لهم إننا نسير معهم (في خطة جنوب العراق). شرحت لكريستوفر إنني لا استطيع أن اتصل برئيس الوزراء حتى حلول الصباح. لا أعتقد أننا سنرمي أنفسنا في حفرة ونموت بسبب هذه القضية (التأجيل). الحقيقة اننا أرغمنا على أن نكشف علنا مسألة منطقة حظر الطيران بسبب إيجاز صحافي مصدره هيوستن (في إشارة إلى أن التسريب جاء من عند الرئيس جورج بوش في تكساس). كلما تأخرنا في الإعلان (عن منطقة الحظر) وتأخر في القيام بعمل (عسكري)، كلما عرضنا أنفسنا للانتقاد بأن كل هذه المسألة تم اللجوء اليها لأسباب سياسية، وأنها مسألة خداع أكثر مما هي جوهرية (أي حماية المواطنين العراقيين).

بعد ذلك تلقيت اتصالاً هاتفياً في منزلي من الجنرال (برنت) سكوكروفت (مستشار الأمن القومي للرئيس جورج بوش)، الذي بدا على دراية بأننا متحفظون على التأخير. لكن سكوكروفت بدا أقل تمسكاً بضرورة التأجيل حتى الثلاثاء، بل رأى محاسن المجادلة بتبكير الإعلان بقدر ما تسمح به الأمور العملانية. قلت له إنني لا أستطيع ضمان أننا سنحصل على موافقة مبدئية على الإعلان (عن منطقة حظر الطيران) بحلول الاثنين، ولكن على افتراض أن هناك موافقة على ذلك فيوم الاثنين باعتقادي أفضل من الثلاثاء. اتفقنا على أن اتصل بسكوكروفت مجدداً اليوم، متى ما تمكنت من التشاور مع رئيس الوزراء. كما ناقشنا، سيكون من المفيد أن أعرف رأي وزير الخارجية قبل أن أتحدث إلى رئيس الوزراء.

استثمرت مناسبة الاتصال الهاتفي لأخبر برنت سكوكروفت بقرارنا في خصوص يوغوسلافيا (استضافة مؤتمر سلام). رحب بما نقوم به. قال إنه ليس واضحاً لديه على أي أساس يقترح الفرنسيون إرسال قوات، بمعنى هل سيضع هؤلاء (الجنود) القبعات الزرق التي سيرتديها جنودنا (أي انهم سيكونون تابعين للأمم المتحدة)، أم على أساس آخر.

التمركز في السعودية والبحرين 

وفي 19 أغسطس أيضاً، كتب جي. أس. وول إلى رئيس الوزراء يقول:

شكراً لك للموافقة على التحدث مع الملك فهد (ملك السعودية) وأمير البحرين (الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة) غداً. كما سترى من البرقية المرفقة، هناك بعض الشكوك في ما إذا كان السعوديون سيوافقون على تمركزنا. من دواعي الأسف أنك لا تستطيع التحدث مع الملك فهد قبل التحدث مع الأمير، لكنني أخشى أننا إذا لم نلتزم بالجدول المحدد للاتصال فإننا لن نتمكن من التحدث إلى أي منهما. عندما تتحدث مع الأمير، اقتراحي هو أن تتجنب التحديد بدقة ما هي الطائرات التي نريد ان نطلب من السعوديين استضافتها. فإذا قال السعوديون لا، فإننا سنكون مضطرين إلى أن نرجع إلى البحرينيين. لا نريد ان نبدو وكأننا نجعل منهم الخيار الثاني المفضل لنا وليس الأول.

هناك نقطة إضافية يمكن لك أن تستخدمها مع الملك فهد. فإحدى نقاط المجادلة لمصلحة منطقة الحظر التي تغطي كل (تم وضع خط تحت كلمة كل) جنوب العراق جنوب خط العرض 32 شمالا هو أنها (هذه المنطقة) ستطمئن السعوديين القلقين من صواريخ سكود «المنصوبة» في آخر المنطقة الغربية لمنطقة الحظر (أنظر التفاصيل في البرقية الأخيرة ضمن حزمة البرقيات). يمكنك أن تقول للملك اننا نفكر في منطقة أوسع نوعاً ما من منطقة الأهوار نفسها، آخذين في الاعتبار وجود صواريخ سكود هناك. الحاجة إلى طائرات كافية لتنفيذ دوريات فوق المنطقة تعزز الرغبة في أن يشارك البريطانيون (في هذه المهمة). إذا ما كان علينا أن ننشط مع الأميركيين بشكل فاعل وكفريق واحد، فيجب أن نكون متمركزين إلى جانب بعضنا البعض. بكلمات أخرى، من مصلحة السعوديين أنفسهم أن يرونا نعمل سوياً انطلاقاً من الظهران.

حدود منطقة حظر الطيران 

وفي 19 اغسطس 1992، كتبت بولين نيفيل جونز، التي تولت بين 1992 و1994 رئاسة سكرتارية الدفاع وما وراء البحار في وزارة شؤون مجلس الوزراء، محضراً طويلاً وجهته أساساً إلى سكرتير رئيس الوزراء السيد وول مع نسختين إلى السير روبن بتلر والسير رودريك بريثوايت. جاء في المحضر ما يأتي:

لقد كنت حاضراً في الاجتماع الذي عقدته بعد ظهر اليوم مع وزارة الخارجية، وزارة الدفاع، المكتب القانوني من أجل مناقشة المدى الذي ستشمله منطقة حظر الطيران المقترحة في جنوب العراق. لقد دفعنا سابقاً في المجادلات مع الأميركيين من أجل أن تكون حدود المنطقة هي حدود خط العرض 44: هم ردوا بأنهم لا يحبذون وضع حدود لجهة الغرب. الوزراء (في الحكومة البريطانية) دعوا أمس مسؤولين إلى النظر في إمكان الوصول الى موقف متفق عليه.

مثلما ناقشنا، هناك مصدران أساسيان للقلق في شأن الاقتراح بعدم وضع حدود للمنطقة.

أ ـــ يمكن أن يتم النظر اليها، من وجهة نظر عربية، في مجلس الأمن، أو حتى من خلال الرأي العام في شكل أوسع، بوصفها (المنطقة) غير متكافئة مع الهدف المحدد وهو مراقبة أعمال العراق تجاه الشيعة وتوفير قدر من الحماية (لهم). كلما كبرت المنطقة وكلما قل الدليل على صلتها بالهدف المعلن، بدا التفسير المعلن لعمل الحلفاء أقل إقناعاً، خصوصاً في أعقاب أي حادث (يمكن أن يحصل).

ب ـــ إذا ما تم أخذها سوياً مع قواعد الاشتباك المعززة التي نوقشت في مكتب «أو بي دي» (محامي الحكومة)، والتي على أساسها يمكن القيام بأي عمل ضد الطائرات العسكرية التي تدخل المنطقة، لا بد أن توسيع المنطقة (لتشمل) منطقة واسعة من جنوب العراق، سيزيد من فرص حصول مواجهة عسكرية، حتى ولو لم يعتبر صدام حدودها استفزازاً بحد ذاتها.

تبعاً لهذه النقاط، يمكن المجادلة بـ:

أ ـــ حتى الآن لم يصدر أي التزام علني في خصوص حجم المنطقة، ولكن تم التلميح فقط إلى أنها ستكون عند حدود 32 درجة. إذا ما أضيفت حدود أخرى (لهذه المنطقة) فإن ذلك سيضعف موقفنا.

ب ـــ رغم أن من المهم لطبيعة المنطقة أن تكون مرتبطة بالمشاكل التي هي أصلاً مخصصة لمعالجتها، فإن قرارنا لا يوحي بأن هناك متطلبات شرعية واضحة كي تكون حدودها محدودة في شكل أكبر.

ت – من المستحيل تقدير كيف سيتغير رد فعل صدام تبعاً لحجم مساحة المنطقة. أحد الآراء التي تم التعبير عنها في الاجتماع كان ان رد فعل صدام سيتحدد في ضوء حقيقة أن هناك منطقة «حظر طيران»، وليس في ضوء انها تغطي مناطق واسعة غير مأهولة غرب الخط 44. على الرغم من أنني أفهم أن هناك بعض المنشآت العسكرية غرب الخطط 44، فإن المناطق الإضافية في حد ذاتها ليست جزءاً مهماً من البلد.

ث – جادل الأميركيون بأن عدم تحديد مساحة المنطقة يعطي الطائرات حرية أكبر للمناورة، ما يضمن ظروفاً أكثر أمناً للطواقم الجوية، كما أن تعريف المنطقة يجب ان يبقى بأبسط ما يمكن. تقديرنا العسكري أن وجود حدود قصوى لجهة الغرب لا يعطي في الحقيقة أي فارق مهم من الناحية العسكرية.

ج – جادل الأميركيون أيضاً بأن تحديد المنطقة في شكل ضيق لتغطي مناطق الشيعة يخاطر بأن يتم النظر إليه بوصفه تصرفاً تقسيمياً، يجزئ البلد وفق خطوط إثنية.

ح – ربما سيكون من المنافع غير المقصودة لتوسيع المنطقة والسماح بالطيران فوق مواقع استخدمت في هجمات صواريخ سكود في الماضي بأنها ستجعل تبرير العمل «العسكري» في المستقبل أسهل عندما يقدم الى الكويت والسعودية.

التوازن بين «طرفي» الجدل ليس واضحاً تماماً إلى من يميل منهما. إذا كنا نقوم بأخذ قرار فقط بناء على المزايا التي نراها نحن، فإنني اعتقد أن علينا ان نخلص الى أن منطقة أصغر تخدم أهدافنا، بمعنى انها تتوافق مع الأهداف التي نستطيع تبريرها، كما انها تشكل بوضعها الحالي ازعاجاً كبيراً لصدام. ولكن كل الاستنتاجات هي عبارة عن تكهنات إلى حد كبير «ببساطة، ليس ممكناً معرفة كيف سيرد صدام حسين إزاء منطقة حظر الطيران، او ما إذا كان حجم المنطقة يمكن أن يترك أي اختلاف في موقفه». كما أنه ليس معروفاً إذا كان حجم المنطقة يزيد المخاطر بحصول تحد عراقي، وبالتالي وقوع حادث. الحقيقة هي انه كما جاء في البرقية رقم 1807 من واشنطن، الأميركيون متمسكون بإقامة منطقة أوسع، وانه كلما ارتفع مستوى إثارة المسألة في الإدارة كان التأييد للفكرة أكبر.

الاجماع الذي تم التوصل اليه في اجتماعنا كان يتعلّق بالقلق من اولئك الجالسين حول الطاولة الذين كانت لديهم شكوك بأننا لسنا اقوياء بما يكفي لتبرير موقفنا (أمام الأميركيين) في شكل أشد في ضوء قوة المشاعر التي يبديها الأميركيون حيال هذه المسألة. ولكن من المهم جداً ضمان أن كل الحلفاء يتكلمون بصوت واحد في تفسير هدف إقامة المنطقة. إذا ظهرت فجوات بيننا، فسنكون أمام مشكلة. وزارة الخارجية ستصوغ مسودة كلمات الاتفاق مع واشنطن وباريس.

لا نعرف ما رأي الفرنسيين، ولكن تم ابلاغهم بآخر تطورات طريقة تفكير المسؤولين البريطانيين.

سأكون ممتنة إذا عرفت إذا كان رئيس الوزراء سعيداً، في ضوء ما ذكرته أعلاه، بأن نوحي للأميركيين بأن المملكة المتحدة مستعدة للذهاب معهم نحو منطقة أوسع، إذا افترضنا ان الفرنسيين يمكن جلبهم إلى خانة الموافقة أيضاً.

لاحظنا أيضاً أن وزارة الدفاع تقوم بشكل منفصل بتقديم نصيحة لوزير الدفاع في خصوص قواعد الاشتباك، التي تحكم إدارة منطقة الحظر، وتقترح على الوزير ان يقدم مقترحاته لزملائه (في الحكومة) في اقرب وقت ممكن.

الموقف القانوني 

كان موضوع منطقة حظر الطيران في الجنوب محور رسالة معنونة «سري» من المدعي العام البريطاني إلى وزير الخارجية في شأن الأسس القانونية لإقامة مثل هذه المنطقة.

وجاء في الرسالة ما يأتي:

لقد اطلعت على تقارير عن المحادثات التي جرت بين مسؤولين من المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا في واشنطن، بالإضافة الى تقرير من نيويورك عن النقاش الذي جرى في مجلس الأمن في 11 أغسطس بعد تقديم بيان فان دير ستول في شأن الوضع الإنساني في العراق. كما اتيح لي الحصول على استشارة من المستشار القانوني (للحكومة).

الاقتراح الأميركي الحالي في شأن منطقة حظر الطيران في جنوب العراق يعتمد على الآتي:

ــــ طائرات التحالف ستطير في طلعات استطلاع فوق العراق جنوب خط العرض 32 شمالا من أجل مراقبة التزام العراقيين بقرار مجلس الأمن الرقم 688.

ــــ من أجل ضمان سلامة طائرات التحالف ومن أجل فعالية مهماتها، سيتم فرض منطقة حظر طيران على كل الطائرات العراقية ذات الأجنحة الثابتة وتلك التي لديها أجنحة دوّارة (أي المروحيات) في المنطقة ذاتها.

ــــ سيتم إبلاغ الحكومة العراقية بأن طائرات التحالف ستستخدم القوة المناسبة رداً على أي إشارة إلى نيات عدائية.

ــــ إذا كان ممكناً، ستتم إقامة مركز تنسيق عسكري في جنوب العراق من أجل مراقبة الالتزام بالقرار 688 ومن أجل السماح بحصول تنسيق بين أعضاء التحالف والقادة العسكريين العراقيين المحليين.

الاقتراح الحالي يختلف عن ذلك الذي دفع به الأميركيون في نهاية يونيو في أن «الاقتراح الجديد» محصور بمراقبة الأوضاع الإنسانية في جنوب العراق. وعلى الرغم من أن طائرات التحالف يمكن ان تلجأ إلى استخدام القوة إذا طارت الطائرات العراقية في منطقة حظر الطيران، فإن هذا التصرف في طبيعته وغرضه له هدف حمائي ودفاعي في المقام الأول وليس هجومياً. بما أن العراق رفض السماح بنشر مراقبين للأمم المتحدة على الأرض، لا يبدو أن هناك وسيلة أخرى لمراقبة مدى الخروقات العراقية للقرار 688، ولا لفحص التطورات في خصوص ما يمكن أن يكون أزمة إنسانية بالغة الخطورة. الاقتراح الحالي مماثل بشكل عريض للدوريات المتواصلة التي تقوم بها طائرات التحالف في منطقة حظر الطيران شمال خط العرض 36 شمالا.

قواعد الاشتباك

على الرغم من هذه الخلفية الملائمة، فيتعين علينا أن نسجل النقاط المهمة الآتية:

– من تقرير فان دير ستول لا يبدو حتى الآن أن هناك دليلاً واضحاً على وضع إنساني خطير وفوري في جنوب العراق يشكل تهديداً وجودياً لشرائح كبيرة من السكان المدنيين.

– ما زلنا نفتقد السلطة الممنوحة بشكل صريح من مجلس الأمن للقيام بالإجراءات المقترحة. المقارنة ستحصل بلا شك مع يوغوسلافيا، حيث تم الحصول على سلطة صريحة «من مجلس الأمن».

أعتقد، برغم ذلك، أنه إذا بقي العمل محدوداً بالمراقبة والأهداف الإنسانية وكان لديه تأييد أو على الأقل قبول ضمني من الأمين العام للأمم المتحدة، فإنه يمكننا تبرير تحديد سقف أدنى للحاجات الإنسانية المطلوبة عوض أن نفكر في القيام بعمل «عسكري» هجومي. وعلى هذا الأساس، فإنني أرى أن العمل سيكون دفاعياً من منطلق قانوني إذا:

– تمكنا من إظهار أن الحاجات الإنسانية في جنوب العراق، على الرغم من أنها ليست شديدة الخطورة إلى حد كبير يبرر العمل الهجومي، تبقى تمثّل وضعاً خطيراً يرجّح أن يتدهور أكثر إذا لم يتم القيام بعمل «عسكري يضمن وصول المساعدات».

– ننادي بعمل «عسكري» بوصفه إجراء حقيقياً صادقاً يهدف إلى تحسين البرنامج الإنساني في جنوب العراق، ولكي يتم تنسيقه مع خطوات أخرى تتعلّق بجلب المساعدات الإنسانية.

– منطقة حظر الطيران ترتبط بشكل دقيق بالحاجة الى حماية السكان المدنيين في جنوب العراق.

– يجب ان يكون العمل مبرراً في إطار الأهداف الإنسانية المحددة بموجب قرار مجلس الأمن 688. يجب ان يحظى «هذا العمل» بتأييد أو الرضا الضمني من الأمم المتحدة، خصوصاً الأمين العام. ويجب ان يكون مصمماً لضمان الالتزام بقرار مجلس الأمن 688، مفسحاً في المجال أمام مجلس الأمن كي يأخذ بنفسه إجراءات إضافية إذا شاء.

– يجب أن يكون العمل بشكل أساسي حمائيا ودفاعيا. العراقيون قد تكون لديهم أسباب مبررة للشكوى بموجب القانون الدولي إذا قدمت طائرات التحالف فعلياً غطاء جوياً لقيام ثورة واسعة النطاق للشيعة.

– قواعد الاشتباك البريطانية ربما تسمح بالقيام بعمل ضد الطائرات العسكرية العراقية (لضمان منطقة حظر الطيران عموماً) أو في إطار الدفاع عن النفس ضد الطائرات العراقية أو ضد منصات الصواريخ التي تُظهر نيات عدائية.

احتمالات القيام بعمل عسكري

في تقرير تحت عنوان «سري»، جاء ما يلي:
«رئيس الوزراء
(محضر) اجتماعكم مع وزير الخارجية
تراجعت احتمالات القيام بعمل عسكري من قبل «انسكوم» (المفوضية الخاصة للأمم المتحدة في العراق). عملية التفتيش المقبلة لأنسكوم لن تحصل قبل سبتمبر (أيلول). مكتب «أو بي دي» (الشؤون القانونية) سيكون عليه، على رغم ذلك، أن يدرس مدى استعدادنا مبدئيا في حال قيام العراقيين في المستقبل بسوء تصرف أن نتحرك بسرعة نحو عمل عسكري. إذا تم التوافق مبدئيا على السيناريو المطروح في ورقة وزارة الخارجية، ساعتئذ العناصر التي سيكون مطلوبا وضعها في مكانها هي:
– اتفاق على تحديد الاهداف (التي ستضرب) مع الأميركيين.
– اتفاق على بيان أهداف التحالف.
– اتفاق على الأغراض التي ستضعها قوات المملكة المتحدة للاستخدام.
– أين ستتمركز القوات؟ وما الترتيبات التي ستتم مع (دول) المنطقة؟
يريد الأميركيون السير في فرض منطقة حظر طيران بدون انتظار تقرير (يان) الياسون في خصوص زيارته لبغداد. يقول الأميركيون إن الروس يسيرون معهم في هذا الأمر. ما زالوا ينتظرون موافقة الأتراك. لسنا في حاجة إلى قرار جديد من مجلس الأمن. المراحل المقبلةهي الآتية:
– تقديم ايجاز للحكومات الصديقة والأمين العام للأمم المتحدة (بطرس غالي).
– تسليم السفير العراقي لدى الأمم المتحدة إعلانا من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، بفرض منطقة لحظر الطيران. ورقة ريفكيند إلى «أو بي دي» (المكتب القانوني) تقترح في شكل عملي أن تتألف مشاركتنا من ست طائرات تورنادو وطائرتي تزود بالوقود «في سي 10»، لتوفير طلعات استطلاع (مثلما نفعل في شمال العراق). وفق قواعد الاشتباك المعمول بها، لا نستطيع إسقاط الطائرات العراقية إلا إذا هاجمتنا أو شكلت تهديداً، ولكن الأميركيين يمكنهم القيام بذلك لفرض منطقة حظر الطيران.
المسألة العالقة المتبقية بيننا وبين الأميركيين هي مساحة المنطقة. موقفنا (المدعوم من المكتب القانوني – المدعي العام) هو أن المنطقة يجب أن تكون متوافقة مع الغرض المحدد منها، أي حماية الشيعة، ولا تغطي كل العراق جنوب خط العرض 32 شمالا. لقد اقترحنا على الأميركيين حدوداً للمنطقة (خط العرض 45 أو 46 غرباً) لكن لم نحصل على جواب قاطع.