جيفري كمب 

بعد الأحداث الجسام التي عرفها عام 2017، والتي شملت العام الأول من رئاسة دونالد ترامب، واندحار دويلة «داعش» في العراق وسوريا، وتنامي قوة ونفوذ روسيا والصين في العالم، والأزمة حول المشروع النووي لكوريا الشمالية.. يأمل كثيرون أن يكون عام 2018 عاماً أقل توتراً. فما هي احتمالات حدوث ذلك؟

المتفائلون يشيرون إلى البيانات الاقتصادية القوية التي تُظهر انتهاء تأثيرات الركود الاقتصادي العالمي لعام 2008، وتحسن معدلات النمو في الأسواق المهمة. كما يُعد ارتفاع أسعار النفط مؤشراً على النمو وهو يمُثل خبرا سارا بالنسبة لمنتجي الوقود الأحفوري، باستثناء فنزويلا. ومن جانبها، فقد اختتمت الولايات المتحدة هذا العام المنصرم بارتفاع قياسي لسوق الأسهم وقانون ضرائب جديد يؤمل أن يساهم في التحفيز الاقتصادي أكثر وأن يؤدي إلى مزيد من النمو وارتفاع الأجور بالنسبة للعمال العاديين. ولا شك في أن الاختراقات التي تحققت في مجالات العلوم والتكنولوجيا، وخاصة في الطب والرعاية الصحية، تبشّر بالخير وتَعد بتحسن مهم في الحياة اليومية للناس في بعض من أفقر مناطق العالم. وإلى ذلك، أظهر التوسعُ المذهل لاتصالات الهاتف المتحرك في أفريقيا جنوب الصحراء أنه بفضل التكنولوجيا تستطيع هذه البلدان الالتفاف على جيل كامل من البنية التحتية الباهظة التي كانت ضرورية في الماضي لجلب خدمات أساسية مثل الهاتف وخدمة الفاكس إلى المناطق النائية.

أما على الجانب الأكثر تشاؤماً، فقد قال أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس: «في رأس السنة الجديدة 2018 لا أوجّه نداء، بل أوجّه تحذيرا، تحذيرا أحمر، لعالمنا»، في إشارة إلى النزاعات الكثيرة التي حدثت في 2017 والتي لم تتم تسوية سوى العدد القليل منها، ويمكن أن تتدهور وتزداد سوءاً. كما أشار إلى أخطار التغير المناخي، والحرب النووية، وانتهاكات حقوق الإنسان، إلى جانب القومية المتطرفة ومعاداة لأجانب باعتبارها دليلا على التحديات الجمة التي يواجهها الكوكب برمته.

وبالنظر إلى كل هذا الكم من المخاطر الممكنة، ستكون ثمة من دون شك نزاعات جديدة لم يتم استشرافها ضمن القائمة المعتادة للمشاكل المتوقعة في هذا الوقت من السنة، لكن الحدث الجديد المفاجئ حقاً هو ذاك الذي يتعلق بالاضطرابات الداخلية في إيران. فخلافا للاحتجاجات الواسعة التي شهدتها البلاد في 2009 على خلفية إعادة الانتخاب المزورة لمحمود أحمدي نجاد، يمكن تعقب أسباب الاحتجاجات الحالية في الكثير من المدن الإيرانية إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي عانى منها أفقر المواطنين الإيرانيين الذين كانوا غائبين في الماضي عن المظاهرات المناوئة للحكومة. هذه المرة يشير الغضب الشعبي بسبب ارتفاع الأسعار والبطالة إلى تواصل سوء تدبير الاقتصاد عقب الوعود بتحسن الحياة اليومية للإيرانيين بعد توقيع الاتفاق النووي في 2015. ومن الجدير بالذكر هنا أن بعض المحتجين عبّروا عن غضب متزايد من تدخل إيران في حروب في سوريا والعراق واليمن والتكاليف الباهظة التي يتحملها الإيرانيون بسبب دعم مثل هذه المغامرات الخارجية.

السنة الجديدة تطرح عدداً من الخيارات الصعبة بالنسبة لإدارة ترامب، ولعل أهمها العلاقات مع روسيا. فالأزمة المستمرة في أوكرانيا، والتحقيق المتواصل في تدخل روسيا في انتخابات 2016 الأميركية، والتواطؤ الممكن مع حملة ترامب بالانتخابية.. تطرح جميعها مشكلة بشكل خاص للجمهوريين الذين يكنّ معظمهم كراهية كبيرة لبوتين وللحكومة الروسية. فهم لا يعجبهم إعجاب ترامب الكبير ببوتين، لكنهم لا يريدون رؤية ترامب مذنباً في التواطؤ مع روسيا نظراً لأن من شأن ذلك أن يضر برئاسته. ومما لا شك فيه أن بوتين سيفوز بولاية رئاسية أخرى في انتخابات مارس المقبل، ومع تفويض جديد وما يعتبره نصرا في الحرب الأهلية السورية، قد يرغب في ركوب مزيد من المخاطر والإقدام على مجازفات جديدة متحدياً الولايات المتحدة وأوروبا وواضعاً ترامب في موقف صعب حيث سيضطر هذا الأخير لإنهاء علاقته الدافئة مع نظام سلطوي جداً.

التحدي الثاني بالنسبة لواشنطن يمكن في كيفية الرد على رسالة التي صدرت عن زعيم كوريا الشمالية «كيم جونغ أون» بمناسبة السنة الجديدة، والتي تضمنت إشارات تصالحية تجاه كوريا الجنوبية، بينما حذّر الولايات المتحدة في الوقت نفسه من أن برنامجه النووي جاهز للاستخدام. ولعل الخطوة الذكية التي يمكن لترامب القيام بها في هذا الصدد هي تشجيع حوار بين الكوريتين مع تهدئة الخطاب ضد الزعيم الكوري الشمالي.

أما الموضوع الثالث الملح بالنسبة لترامب، فهو تجنب التدخل بشكل مكشوف جدا في الأزمة الإيرانية الحالية. فدعوات ترامب إلى صفقة أحسن للمواطنين الإيرانيين كانت ستكون أكثر فعالية وتأثيرا لو أنها جاءت في إطار رد دولي على أعمال الشغب، مع تهديد بعزل إيران أكثر في المجال الدبلوماسي. غير أنه سيكون من غير الحكمة ومن الخطر أن يهدّد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي في هذا الوقت.