إميل أمين
* كاتب مصري

أحد أهم الأسئلة المطروحة في الساحة الأميركية الداخلية اليوم، ومنذ انطلاق شرارة الاحتجاجات في الداخل الإيراني ضد نظام الملالي: «هل واشنطن جادة بالفعل في دعم الإيرانيين إلى المنتهى، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟».

من الواضح أن هناك مسارين للتفكير في أميركا؛ الأول يرى أن أفضل طريق يمكن من خلاله دعم المحتجين الإيرانيين هو الصمت، حتى لا يبدو وكأن مسار الثورة الإيرانية الآني مدفوعاً من القوى الخارجية، ومن بين الأصوات المتقدمة فيليب غوردن كما جاء في مقال له في إحدى الصحف الأميركية.

الاتجاه ذاته مضى فيه بن رودس مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، عطفاً على تومي فيتور المتحدث السابق باسم مجلس الأمن القومي، إضافة إلى سامانثا باور مندوبة أميركا لدى الأمم المتحدة في عهد باراك أوباما، وكأن هناك خيطاً رفيعاً يجمعهم معاً للدفاع عن أوباما وسياساته تجاه إيران، وهو دفاع يحمل على الشكوك في الأسباب الحقيقية التي دفعت أوباما للتساهل تجاه خطايا إيران، بل وصل الأمر إلى إرسال ملايين الدولارات للملالي من أجل أن يستعملوها بطرق سرية لتمويل «حزب الله» والحوثيين.

الاتجاه الآخر يسعى إلى التفكير الجاد والجدي في دعم الإيرانيين، ويمثله عدد كبير من نواب البلاد، مثل لي زيلدين عضو مجلس النواب عن الحزب الجمهوري، والسيناتور ليندسي غراهام، عطفاً على بعض الآراء النافذة في مراكز الأبحاث الأميركية، مثل مايكل سينغ المدير الإداري لمعهد واشنطن، وجميع تلك الأصوات تقطع بأن في إيران اليوم ملايين من المواطنين الذين يتوقون للحرية والديمقراطية، مطالبين بألا يكون الموقف الأميركي فائق الحذر خشية أن يستفيد النظام الإيراني منه في وقت يحتاج الشعب فيه إلى أكبر دعم ممكن.

على أن علامة الاستفهام الجوهرية هنا: إلى أي حد ومدى تتبدى جدية الرئيس دونالد ترمب في أخذ موقف حاسم وحازم يدعم المحتجين والساعين لتغيير الأوضاع في الداخل الإيراني المهترئ؟

حتى الساعة، لا نرى من الرئيس ترمب دعماً للشعب الإيراني سوى «سلاح تويتر»، حتى وإن عبر من خلاله عن رؤيته للشعب الإيراني العظيم الذي قمع على مدار سنوات طويلة، والمتعطش للحرية والطعام، بالإضافة إلى حقوق الإنسان، وأنه حان وقت التغيير.

لكن كيف لترمب أن يحدث هذا التغيير؟
أحدث تغريدات الرئيس الأميركي وردت نهار الأربعاء، الثالث من يناير (كانون الثاني) الحالي، وفيها: «نحترم الشعب الإيراني وهو يحاول إبعاد حكومته الفاسدة... ستجدون دعماً كبيراً من الولايات المتحدة في الوقت المناسب». ولعل السؤال: متى يحين هذا الوقت المناسب؟

بلا شك لا تزال هناك شكوك حول العلاقات الباطنية الأميركية - الإيرانية، لا سيما أن أحداً من الداخل الأميركي لم يعلق على تصريحات أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني الأخيرة، التي ادعى فيها إلى أن ترمب طلب لقاء حسن روحاني في الأمم المتحدة، والتفاوض حول بعض المواضيع، لكن إيران - بحسب شمخاني - رفضت اللقاء.

ما مدى مصداقية هذا الادعاء؟ وهل يتوجب على الأميركيين أنفسهم مساءلة الإدارة؟
الازدواجية الأميركية معروفة تاريخياً، وتكافؤ الأضرار في الروح الأميركية الواحدة كائن منذ اليوم الأول لنشأتها، لكنها الآن لحظة أميركية حاسمة، إن لم تكن للأميركيين أنفسهم فعلى الأقل بالنسبة لشعوب الخليج العربي والشرق الأوسط.

يمكن القطع بأن الموقف الأميركي استدعى تصريحات لا تقبل الشك من رضا بهلوي، نجل شاه إيران السابق، طالب فيها الإدارة بمساعدة الإيرانيين بالأفعال لا بالأقوال، وقد حدد بهلوي مطالبه في تشجيع شركات التكنولوجيا الأميركية على توفير خدمات اتصالات للإيرانيين الذين يحتجون ضد الملالي الذين يحكمونهم؛ خدمات تسمح للعالم بأن يرى حقيقة القمع والقهر والاستبداد في الداخل الإيراني ضد المتظاهرين، ما يعد توثيقاً للتاريخ هناك.

ولعل المثير إلى درجة تسرب الشك للنفوس أن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية لم ترد بشكل مباشر على سؤال عما إذا كانت الوزارة تحث شركات التكنولوجيا الأميركية على فعل المزيد لضمان وصول الخدمات إلى الإيرانيين أم لا.

دبلوماسياً، لم نستمع إلا لإعلان نيكي هيلي المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة عن أن بلادها تجري مشاورات حالياً مع أعضاء مجلس الأمن الدولي، لعقد جلسة طارئة بشأن الاحتجاجات؛ الأمر الذي قد يكون لذر الرماد في العيون ليس أكثر.

الاختبار الحقيقي لجدية الموقف الأميركي من إيران وما يجري فيها لن يطول انتظاره، وموعده الأسبوع المقبل، حيث سيحل الخامس عشر من يناير، وسنرى موقف الرئيس الأميركي من التوقيع على الاتفاق النووي من جديد أو رفضه بالمطلق، ما يعني اتساق الأقوال مع الأفعال، ومن ثم العودة إلى فرض العقوبات المتعلقة بالأنشطة النووية على إيران، وساعتها سيكون من الواضح موقف واشنطن من طهران، عبر خطوة كبيرة للغاية ناحية بدء مواجهة مفتوحة مع الملالي ورؤاهم الديكتاتورية وأطماعهم في المنطقة.

أدرك العالم منذ فترة طويلة زيف القول بوجود حمائم وصقور، معتدلين ومحافظين، في الداخل الإيراني... الجميع يتبادلون الأقنعة الزائفة، وعلى واشنطن التخلي عن أكذوبة كسب المعتدلين داخل النظام لأنها لم تجدِ نفعاً في الحال، ولن تنفع في الاستقبال.