إيلي الحاج 

تتسع دهشة عيون مسؤولين سعوديين لدى سؤالهم عن تحسن علاقات بلادهم بلبنان وإمكان توجيه دعوة إلى رئيس الحكومة سعد الحريري لزيارة الرياض: " لكثرة ما يُطرح هذا السؤال في بيروت يبدو لنا أن هناك لبنانيين لا يعلمون، أو يتناسون ربما، حقيقة أن المملكة العربية السعودية هي بلد الرئيس الحريري. وفي الرياض بيته وعائلته. علاقتنا به جيدة جداً والمشكلة ليست معه بل مع لبنان الرسمي بسبب سلوك "حزب الله" وأفعاله. كيفما تطلعنا نكتشف خلايا نائمة لهذا التنظيم، وكلما راجعنا أو اعترضنا كان الجواب في بيروت "إنه مقاومة". ما هذه المقاومة التي لا تفعل شيئاً ضد إسرائيل، غير إطلاق الشعارات، وتكرس كل جهدها وإمكاناتها ضدنا؟".

يتبين من الأحاديث مع مسؤولين سعوديين بعض أوجه الممارسات اللبنانية- الإيرانية الأكثر إزعاجاً للمملكة في هذه المرحلة، لا سيما إرسال خبراء في جمع الصواريخ وإطلاقها وخبراء في حروب العصابات وأعمال التفجير إلى اليمن وسواه. لا تفوتهم إشارة إلى أن الديبلوماسية السعودية تسجّل كل ما يحصل ميدانياً وسياسياً وإعلامياً. صمتها بالتالي لا يعني أنها لا تفعل شيئاً، بل على النقيض تماماً. هي تسجل وقائع لتأتي الأسئلة لاحقاً. على سبيل المثال لا الحصر: هل استقدام قادة الميليشيات التابعة للنظام الإيراني في المنطقة العربية إلى الجنوب اللبناني هو نأي بالنفس؟ في أي سياق يندرج التلويح بنقل مقاتلين حوثيين من اليمن إلى لبنان، وما دور الحكومة اللبنانية في هذه العملية؟

يلمح من يحادث مسؤولين سعوديين عتباَ ولوماً خلف كلماتهم. "نحن قوم يحبون لبنان حقاً بلا غاية، سوى ألا ينقلب حبنا علينا. ونحن في تعاملنا معه مثل رجل لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه". يقلّب أحدهم كتاباً أخضر الغلاف من إعداد جمعية الصداقة اللبنانية – السعودية عن العلاقة بين البلدين. يقرأ في شكل عابر عنواناً فحواه أن السعودية ساعدت لبنان منذ انتهاء حرب 1975 – 1990 زهاء 70 مليار دولار، يتطلع إلى محادثه ويسأل: هل تعلم قيمة ما قدمت إيران إلى لبنان؟ لم تصل إلى 100 مليون دولار. وبالطبع تقدم طهران 200 مليون دولار سنوياً إلى "حزب الله". في ما خصنا كنا نساعد الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية اللبنانية والحكومة اللبنانية، وتوقفنا عام 2014 بعدما كنا قررنا تسليح الجيش والأجهزة الأمنية بقيمة 4 مليارات دولار، لأننا رأينا "حزب الله" يضع يده على قرار الدولة ويصادره.

يقلّب المسؤول السعودي صفحات الكتاب ويتوقف عشوائياً: منطقة بشري أهلها من أي طائفة؟ "مسيحيون". انظر كم دفعنا فيها لمشاريع صحية وتنموية. وتبنين ؟ "شيعة". وزحلة؟ "مسيحيون إجمالاً". وطرابلس؟ "سُنّة"... ومن يستفيد من أوتوستراد بيروت – الشمال، أليس الجميع؟ نحن لم نميّز ولم نفرّق في لبنان ولا بين أهل لبنان المقيمين والعاملين في المملكة، ويعرف الجميع مدى أهميتهم في اقتصاد بلادهم. أردنا ونريد المساهمة في تنمية الإنسان اللبناني وتحسين ظروف حياته وعلمه كي يتقدم ويزدهر في ظل دولة سيدة تحميه وترعاه. غيرنا يؤسس ميليشيات ويرسل أبناء لبنان وشبابه إلى الموت، ونحن لا نتطلع إلا إلى الخير وبلا مقابل. لا نرغب للبنان غير ما يرغب فيه لنفسه. هل عَبَر مرة بصعوبة أو مشقّة ولم نكن بجانبه؟ لم يحصل. هذا هو تحديداً مجال تدخلنا في هذه البلاد التي نحب، فلا نورّطها في شيء ولا نحملها فوق ما تستطيع.

نسجّل كل شيء يعني أن وقتاً للكلام سيحل يوماً. من ضمن ما نسجل حملة إعلامية- صحافية ضدنا في وسائل متنوعة، مُقذعة ولا مثيل لها، تُستخدم فيها وتًروّج أخبار كاذبة عن القيادة السعودية، وتُطلق أوصاف وشتائم يندى لها الجبين. وكل ذلك بنسق يومي من غير توقف. نحن ندرك أن في لبنان قانوناً يمنع "الإساءة إلى العلاقات بدولة شقيقة"، لا نريد أن تلجأ السلطات إليه إنما فلتذكر وجوده، هل هذا كثير؟

تابعنا بالأمس والأيام التي قبله قضية الإعلامي مارسيل غانم وما رافقها، إذا كان رئيس الجمهورية اللبنانية يتقبل أن يُكتَب عنه رُبع رُبع ما يُكتَب في بيروت عن قادة السعودية، فنحن قابلون ولا اعتراض".