بيروت: نذير رضا

اتجه موضوع الخلاف بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والبرلمان نبيه بري، إلى منحى ميثاقي بدا أكثر تعقيداً، ويتخطى كونه خلافاً على تنفيذ آلية دستورية مرتبطة بتوقيع وزير المال على مرسوم أقدمية عام لضباط «دورة عون»، بعدما ألمح بري إلى أن الخلاف له علاقة بـ«اتفاق الطائف»، وهو ما ينفيه «التيار الوطني الحر» الذي يرى أن حل الخلاف بات يحتاج إلى معالجة خارج إطار التداول في الإعلام.

وفي ظل غياب أي أفق لحل الخلاف الذي مضى أسبوعان على ظهوره، وفشل الوساطات التي اصطدمت بتمسك كل طرف بموقفه القائل بـ«دستورية» توقيع المرسوم، كما يقول عون، من عدمه، كما يقول بري، يصر بري على وجوب توقيع وزير المال على المرسوم، كونه تترتب على المرسوم تبعات مالية لاحقة، فيما قالت مصادر مطلعة على موقف بري لـ«الشرق الأوسط» إن رئيس المجلس النيابي «يخوض معركة حماية (اتفاق الطائف)».

وقال بري أمام زواره أول من أمس إنه لن يتراجع عن هذا الموقف «لأنه موضوع دستوري وميثاقي، وله علاقة بـ(اتفاق الطائف)، وأنّ ما يحصل من تجاوُز التوقيع (توقيع وزير المال) وغيره دفع ثمنها مائة وخمسون ألف قتيل (ضحايا الحرب الأهلية)، ويجب على الجميع أن يعرفوا أنّ هذه المسألة ليست سهلة ولا رجوع عنها على الإطلاق».

ويعد هذا التصريح أول إعلان صريح من بري حول مخاوفه من تجاوز «اتفاق الطائف» الذي أنهى «الحكم الثنائي» في السلطة التنفيذية (توقيع رئيسي الجمهورية والحكومة)، الذي كان سائداً قبل اتفاق الطائف، وفرض توقيع الوزير المختص إلى جانب توقيعهما، وتوقيع وزير المال في حال كان يترتب على الرسوم تبعات مالية.

لكن «التيار الوطني الحر»، القريب من رئيس الجمهورية، ينفي أن يكون الخلاف بهذا الحجم، إذ أكد عضو كتلة «التغيير والإصلاح» النائب ألان عون أن هدف توقيع المرسوم وخلفيته لا تسعى للمساس بـ«اتفاق الطائف»، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن الموضوع «أعطي بُعداً أكبر بكثير مما هو عليه، ولسنا بوارد المساس بـ(اتفاق الطائف)»، مشدداً على أن منح أقدمية عام لبعض الضباط «لا خلفية طائفية أو دستورية له، ولسنا بوارد الذهاب بهذا الاتجاه».

وتفاقم الخلاف بشكل بات يصعب احتوائه. وبعد إعلان «حزب الله» أن الموضوع «دقيق»، في إشارة إلى صعوبة حله، لا يبدو أن هناك أي جديد على مبادرة رئيس الحكومة الذي أعلن أول من أمس ان مسألة مراسيم الضباط «قيد المعالجة».

ويقر «التيار الوطني الحر» بأنه بات موضوعاً معقداً، فقد أشار النائب ألان عون إلى أن الملف بعدما أخذ كل تلك الأبعاد «لم يعد ممكناً حله بسهولة»، موضحاً أن هناك «اختلافاً بالتقدير حول الموضوع والتفكير حوله»، مشيراً إلى أن المعالجة «أعقد وأصعب من أن تحل ببساطة»، في إشارة إلى ما طرحه بري حول حل الموضوع بإحالة المرسوم إلى وزير المال للتوقيع عليه.

وعن المقترحات لحل الخلاف، رأى النائب عون أنه «يحتاج إلى نقاش صريح، وإعادة توضيح حول ما جرى وخلفياته، لأنه الآن يتم أخذ الموضوع في اتجاه مختلف عن هدفه»، معرباً عن اعتقاده أن الحل «يحتاج إلى حوار مباشر بين المعنيين بالخلاف (عون وبري)، وليس بالإعلام»، موضحاً أن «النقاش المباشر يمكن أن يذلل العقبات، وليس عبر الإعلام، لأن هناك سوء تفاهم كبيراً أدى إلى اتهامات لا تمثل نياتنا حول الملف».

وفي السياق، أعلن رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن، بعد زيارة بري، أن رئيس البرلمان أكد أن «الإشكالية قابلة للمعالجة، ما دام الأمر يخضع لمواد الدستور والميثاق الوطني الذي ارتضيناه جميعاً بعد (اتفاق الطائف)»، مؤكداً أنه «لا نية لدى بري للتصعيد، لكنه لا يزال عند معارضته بالنسبة إلى ملف الأقدمية للضباط».

وقال الخازن: «لأن الرئيس بري متمسك بميثاقية العيش، فقد لخص نظرته هذه معتبراً أن لبنان لا يمكن أن يعيش من دون مسيحييه، لذا فهو يولي أهمية قصوى لروحية المشاركة الحقيقية، كما نص عليها اتفاق الطائف، أي المناصفة الحقيقية بين المسيحيين والمسلمين»، مشدداً على أن «الطريق الأسلم هو ترك الأمر بيد فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كي يعالج الموضوع بحكمته». وأشار إلى أن «المسالة وصلت إلى مرحلة من النضج، وأصبحت خواتيمها قريبة جداً إن شاء الله».