حسين شبكشي 

لا حديث في معظم وسائل الإعلام العالمية إلا عن كتاب «النار والغضب» الذي ألفه الكاتب الصحافي الأميركي المعروف مايكل وولف، ويتضمن الكتاب - بحسب ما يروّج عنه - أسراراً جديدة ومعلومات غير مسبوقة عن الرئيس الأميركي دونالد ترمب وإدارته في البيت الأبيض تشمل الفترة الانتقالية قبل دخوله البيت الأبيض والسنة الأولى للحكم له.


وقد تسببت التعليقات الصادرة من دونالد ترمب وبعض أعضاء إدارته على الكتاب والسخرية منه و«تحقيره» لكل ما ورد فيه، أن جعل منه فوراً الكتاب الأكثر مبيعاً. ومن دون أدنى مبالغة نفدت كل النسخ المخصصة للبيع من الكتاب في جميع منافذ البيع فوراً، ليتصدر قوائم البيع كافة.
لقد ذكرني هذا الأمر بما حصل مع كتاب «آيات شيطانية» للمؤلف البريطاني الكاتب سلمان رشدي، حينما أصدر الخميني بحق الكاتب فتوى تحل دمه، فأصبح الكتاب فوراً الأكثر مبيعاً حول العالم، وطبعت منه الملايين من النسخ بطبعات متعددة، وتمت ترجمته بأكثر من خمسين من لغات العالم المختلفة، حتى إن النكتة خرجت وقتها لتقول إن الخميني حتماً هو الناشر السري والوكيل لأعمال سلمان رشدي، لأن فتواه حولت سلمان رشدي إلى أحد أهم الكتّاب في يوم وليلة، والكتاب المثير للجدل لا يزال يبيع.


كل حقبة لكل رئيس أميركي نرى فيها «كتاباً» يثير الزوابع ويحدث الأعاصير ويتسبب بالزلازل لأتباع الرئيس، ويروج له أنه فاضح وكاشف للأسرار، ويكون مروجاً له وبشدة من خصوم الرئيس السياسيين والإعلاميين. في هذه الحالة يروج خصوم الرئيس أن هذا الكتاب سيكتب نهاية الرئيس السياسية لما يحتويه من فضائح ومخالفات دستورية وتجاوزات غير مسبوقة، لدرجة «تخوينه» بشكل صريح على «علاقته المريبة» بالروس، ولكن ما يغفله «المحللون» الذين يتبنون هذه الآراء ويروجون لها أن الأميركي يصوت «بجيبه» أولاً، واليوم الاقتصاد الأميركي في أهم حالاته والسوق المالية الأميركية تحقق مستويات قياسية وعوائد استثمارية غير مسبوقة من قبل، كما أن معدلات البطالة في انخفاض متواصل ومعدلات النمو الاقتصادي وأرقام خلق الوظائف مبشرة وحجم الاستثمارات المتدفقة هائل جداً، وكذلك الأمر بالنسبة لاتساع رقعة الصناعات العائدة إلى أميركا التي هي الأخرى آخذة في النمو والصعود بشكل لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع حدوثه.
ما دام الاقتصاد بخير وقوياً، ويتصاعد الناخب الأميركي سيغض البصر عن كثير من التجاوزات والأخطاء والتصرفات الغريبة التي تثير تحفظات خصوم الرئيس دونالد ترمب، وتشعل ثورتهم وغضبهم بحقه. دونالد ترمب رئيس غير تقليدي، هو غير سياسي، هو رجل مصالح وصفقات ورجل استعراض ومثير للجدل، ولكنه رجل أعمال وقارئ جيد لنبض الشارع الأميركي، ويعلم ما يحرك الناس وما يستفزهم، وهي الطريق الفعالة التي أثمرت له النجاحات كلها في حياته العملية والشخصية، وأوصلته إلى المكانة التي وصل إليها اليوم بكل ما فيها من جدلية وإثارة.
الكتاب ستتم قراءته ويبيع ملايين النسخ، ولكن رهاني أنه صفحة أخرى في مسيرة ترمب الجدلية. الرجل «جلده سميك» جداً، وتعوّد على هذا وأكثر، بل إنني أعتقد جازماً أنه لا يستطيع أن يحيا إلا في هكذا جو.