مشاري الذايدي

 هذه الأيام تنتشر في منصة «تويتر» السعودية حملة، أو بلغة «تويتر»: «هاشتاغ»، لحظر متابعة مشاهير «السوشيال ميديا»، أو بلغة «تويتر» أيضاً: «تبليك» المشاهير. والحجة هي تفاهة ومنفعية واستهتار هؤلاء المشاهير بعقول وأخلاق الناس.
هذه هي الحجة العامة والخطوط العريضة، وتحتها طبعاً تفاصيل وحاجات أخرى، و: في النفس حاجات وفيك فطانة... كما قال بيطار النفوس، المتنبي.
نعم هناك فقاعات بشرية وظواهر شوهاء تفشت مثل وباء طارئ ماحق، انزلقت مثل حبات الماء المتطاير من مستنقع موبوء ساخن، مذ احتلت هذه المنصات شطراً كبيراً من وقتنا وأعصابنا، وأصابت أكثر الناس بالهوس، وصارت مما «عمت به البلوى» حسب لغة الفقهاء؛ بل وصار لأفراد من البشر ليس لهم سابق كدح في دنيا الصحافة أو سالف قدح في أسهم الاقتصاد وعلومه، رأي وأثر واجتهاد واقتراح؛ بل وصلت العنجهية الجوفاء بهؤلاء الأفراد إلى دعوى أنه لولا «دردشاتهم» على «تويتر» لما تغيرت حياة الناس للأفضل!
«يقولون هذا عندنا غير جائز... ومن أنتمُ حتى يكون لكم عندُ؟!». وبصراحة يتحمل قسطاً من اللوم في ترميز هؤلاء الفقاعات جهات رسمية وشركات كبرى، عبر ضخ الملايين في أرصدة هؤلاء البنكية، من خلال «شوية تويتات» فقط، وكم «سنابشات»... وكفى الله المؤمنين القتال. هذا يكرس الخفة والتفاهة والمظهرية وزخرف القول.
هل هذه اليقظة الحالية مجرد «فشة خلق» لا معنى لها؟ أو ربما رأى فيها مشاهير ومشهورات «السوشيال ميديا» فعل حسد - بالمناسبة، أتفق معهم في أن من جملة الناقدين لهم يوجد من يريد شهرة كشهرتهم ودعوات كدعواتهم فقط، هذا أكيد! - لكن لا ريب في أن القصة أكبر وأخطر من ذلك بكثير... إنه سؤال يتعلق بمستقبل القيم التي تحكم العلم والمنطق، ومن يفترض به قيادة من، وعلى أي أساس. وكيف تحافظ الأسرة والمدرسة والمجتمع عامة على «صمغ القيم» الذي يشد أجزاء الجسم العام لبعضه، عوض التذرر في هباء العدم.
لاحظوا أننا لم نتكلم البتة عن الضرر الأمني الفاتك لهذه المنصات، ليس «تويتر» فقط، بوصفها مغارف تجنيد، ومعاول تدمير، ومشابك تنسيق، وسماعات تعبئة، بين أفراد الجماعات الإرهابية، القدامى منهم والجدد.
الكلام كان عن الضرر النفسي العام الذي تحدثه مخالب التفاهة المحصنة في أديم الوعي العام.
التفاهة هي التفاهة، من أيام هبنقة إلى يوم فقاعات «السوشيال ميديا».