عبدالله بن بخيت

كلمة فرّاش كانت تعني خادم في وزارة، يعد الشاي والقهوة وينظف المكاتب ويلبي حاجات الموظفين أثناء العمل. لا أتذكر أن أحداً كان يستعيب هذه الوظيفة. اختفت هذه الوظيفة مع انقلاب مفهوم العمل في الذهن السعودي. تعقد الأمر مع تدفق العمالة الرخيصة من دول شرق آسيا، وزاد الأمر سوءاً أن نشأ في المزاج السعودي التطلع الجمعي للمشيخة.

مع نهاية السبعينيات أصيب المجتمع السعودي بوهم عظيم. يمكن القول إن كل فرد قرر أن يصبح مليونيراً. نما إحساس بين الناس أن الملايين على بعد خطوتين من بيته. كالأسد الذي يرى فريسته من وراء حائط زجاجي سميك. غير قادر أن يفهم لماذا لم يطلها بعد. كانت الفلوس تقرقش في كل مكان. بعضهم أعياه الصبر فاستبق الأحداث واتخذ لنفسه لقب شيخ حتى قبل أن يضمن ثمن البشت.

كنت أسير في شارع في مدينة لندن في يوم صيفي من أيام السبعينيات. سمعت من ينادي على اسمي. نظرت فإذا على الرصيف المقابل شاب يلبس بدلة ثلاث قطع كعادة السعوديين اللندنيين آنذاك. رغم البدلة ورغم لمعان الكريم على بشرته تعرفت عليه من الشهاب المقاوم للكريمات. سلمنا على بعض وبعد قليل من التحايا وجه شاباً يسير خلفه أن أحجز لعبدالله معنا. من أسلوبه وطريقة إصداره للأوامر فهمت أن هؤلاء أخوياء. ولأنه لم يستشرني في العزيمة عرفت أنه قرر إدراجي في القائمة. بيني وبينكم ما كان عندي مانع أن أصبح خوياً على أمل أن يستضيفني في غرفة في الدورشستر. أتخلص من حمامات فندقي المشتركة. مع السواليف في المطعم اكتشفت أن إمبراطورية صاحبي ما زالت في الخيال. كانت الخطط جاهزة لكنه تعجل في تعيين الأخوياء. تركته بعد أن تبين أن شيخي حتى تلك اللحظة ما بعد عرف كيف ينطق كلمة دورشستر.

بعد أربع سنوات تقريباً التحقت بالعمل في الاتصالات السعودية. من طبيعة العمل أن يقوم المديرون الجدد بجولة على أقسام الإدارة والمباني. دخلنا على السنترال. صادفته يجلس أمام بدالة التلفون. مجرد عامل تلفون. منصبي في أول يوم من تعييني يعادل منصب مدير مديره، سلمت عليه وناقشت معه بشكل موارب الأحلام اللندنية، لم يظهر عليه اليأس، أخذني إصراره العظيم على المشيخة كل مأخذ، بعد سنين اكتشفت أن قضيته تلك حلم استوطن في كثير من الناس وتوارثته الأجيال التالية، تأخرت عودتهم إلى الواقع كثيراً، أرجو من العام 2018 أن يساعدهم على ذلك.