حمد الكعبي 

ليس هناك ما يدعو للاستغراب من التقارب والتحالف بين النظام الإيراني و«الإخوان» المفلسين، فالتنظيمان لديهما مشروع واحد تجاه المنطقة وشعوبها، والطيور على أشكالها تقع، وهما وجهان لعملة واحدة، بل وجهان لعمالة واحدة.

فالتعاطف والتحالف «الإخواني» مع الملالي معروف مكشوف، وطريقة التعامل الأخيرة مع الانتفاضة الإيرانية الشعبية تقدم أيضاً دليلاً راسخاً -لمن ما زال بحاجة إلى دليل- على قوة العلاقة بينهم، وجذورها العميقة -العقيمة- الممتدة منذ تأسيس جماعة «الإخوان» 1928. أي أن علاقاتهم بدأت قبل انطلاق ثورة الخميني عام 1979، وظل ذلك التحالف متخفياً بالتقية للعب بورقة الطائفية، التي ظلت الجماعتان تطمحان لتأجيج وتهييج أسوأ نزعاتها بين شعوب المنطقة. فالعلاقات التاريخية بين هاتين الجماعتين المتطرفتين اكتست الكثير من الأبعاد، وفيها أيضاً كثير من الدلائل التي تفكك خلفيات ما يجري اليوم من أحداث وأفعال كانت نتيجة حتمية لعلاقات راسخة بينهم لعشرات السنين من التآمر والتخابر على المنطقة وأهلها.

ففي عام 1945، أي قبل 34 عاماً من انطلاق ثورة الملالي وعودة الخميني من المنفى، زار رجل الدين الشيعي الإيراني المتطرف نواب صفوي مؤسس «فدائيي الإسلام» القاهرة والتقى مع سيد قطب، وحمله هذا الأخير العديد من الأفكار "الإخوانية" الشيطانية التي ساهمت لاحقاً في انطلاق ثورة الملالي وخدمة مشروع النظام الإيراني في المنطقة. على أن «الإخوان» أخذوا هم أيضاً من الملالي مبدأ التقية ومبدأ «ولاية الفقيه» واستغلال الدين لتحقيق مطامع سياسية. هذا بالإضافة إلى قيام حسن البنا عام 1948 بتأسيس جمعية تعمل على التقارب بين المذاهب، كان هدفها إخفاء العلاقات المريبة واللقاءات السرية التي تتم بين المتطرفين من الشيعة وجماعة «الإخوان»، ولاتخاذ ذلك أيضاً مبرراً لبدء دراسة المذهب الاثني عشري في الأزهر. ونقل كل منهما للآخر الأفكار الشعوبية والممارسات التآمرية التي من شأنها أن تعمل على زعزعة استقرار المنطقة، وإسقاط الدول العربية الكبرى، والتربص بالعرب والسيطرة على السلطة في دولهم حتى يتم تنفيذ مآربهما ونواياهما الخبيثة ضد المنطقة وشعوبها. ففي بداية مشروع «الإخوان» الإرهابي ومشروع تصدير ثورة الملالي كانت مصر هدفاً رئيسياً لهم نظراً لمكانتها وحجمها وثقلها الإقليمي والعالمي وكثافتها السكانية، بالإضافة إلى أن أطماعهم كانت تتجه أيضاً نحو المملكة العربية السعودية حقداً وحسداً وطمعاً في ثرواتها، ولضرب عمق ومرتكز العرب الاستراتيجي، وطمعاً كذلك في الاستئثار بقبلة المسلمين والسيطرة على أفئدتهم وقلوبهم حتى يكونوا خاضعين لذلك المشروع البغيض، لا سمح الله. أي أن المشروع الصفوي في المنطقة كان ممنهجاً ومدعوماً من حركة «الإخوان» الإرهابية قبل انطلاق الثورة الخمينية، وبعد انطلاقها في عام 1979 صار الفرق الوحيد هو أن المشروع الإيراني معلن من خلال التحركات والاستفزازات والتدخلات في شؤون الجيران ودعم المليشيات، وظل مشروع «الإخوان» سرّياً في دهاليز الظلام على طريقة الجماعات الباطنية كالقرامطة والحشاشين والمحافل الماسونية والصهيونية، وإن استمر أيضاً مفضوحاً بشكل حثيث وخبيث في شتى صور التحركات المريبة ودعم الإرهاب والتخابر مع أعداء المنطقة.

وحتى في قضية اغتيال الرئيس المصري الأسبق السادات عام 1981 قام النظام الإيراني بتكريم المجرم «الإسلامبولي»، وإطلاق اسمه على أحد شوارع طهران باعتباره بطلاً.. والآن على الرغم من مرور أكثر من أسبوعين على الأحداث الجارية في إيران، ما زالت جماعة «الإخوان» خائفة تترقب الوضع خشية من سقوط الحليف السري الذي دامت صداقته لعقود من الزمن، ولم تصدر بياناً واحداً منذ بدء الانتفاضة، وحرص جميع قياداتها والمحسوبين عليها من رجال الدين على عدم التعليق بتاتاً في وسائل التواصل الاجتماعي على الأحداث الجارية في إيران. وهم الذين يفتي عادة كهنتهم على شاشتهم الصفراء بتكفير وقتل الرؤساء في بداية كل فورة أو ثورة أو فوضى في بعض الدول العربية! وفتاويهم في تأجيج الفوضى والنفخ في كير الفتن والمحن مُفَصّلة أصلاً ومعلبة وجاهزة مع خدمة التوصيل. كما عملوا أيضاً على إشاعة أن أعداء إيران -وهم بزعمهم كل من إسرائيل وأميركا- وراء موضوع هذه الانتفاضة، وذلك لإيهام الشارع بأن مئات الآلاف من الإيرانيين المحتجين هم كلهم عملاء لأميركا وإسرائيل! وأنه في حال سقوط النظام ستأتي إسرائيل في عملياتها التوسعية العدوانية المعروفة، وكأنه ليست هنالك تفاهمات مع الصهاينة من تحت الطاولة ومن خلف ظهر الشعب الإيراني ومنذ زمن بعيد، تماماً كما هي حال «الإخوان» الذين استفتح معزولهم رسالة للصهاينة بعبارة «عزيزي بيريز»! وقدمت شرذمة «الإخوان» أيضاً للنظام الإيراني خبراتها في إخماد الثورات وإسكات صوت الشعب، فالمظاهرات المؤيدة للنظام في شوارع طهران أسلوب إخواني معروف في الدعاية «البروبجندا» الفجة ذراً للرماد في العيون، وسعياً للتطبيل والتضليل والضحك على ذقون البسطاء، والتمويه الواضح الفاضح للحقيقة أمام الرأي العام.. ولكن شعوب المنطقة شبت عن الطوق، ولم تعد تنطلي عليها دعاية إيران، وألاعيب «الإخوان»، لأنها جرّبت ذلك عقوداً مديدة من الزمن، واكتشفت كل ما وراءه من فائض عنف وتطرف وفشل وخراب وإرهاب. وما خفي كان أطم وأعظم.