سمير عطا الله

 تلقيت رسالة من نجل صديق عسكري كبير، يعاتبني ويتساءل، لماذا كل هذا التحامل على العسكر والأنظمة العسكرية؟ وأنا أسألك بدوري لماذا كل هذا الظلم؟ فإذا كان مرجعك هذه الزاوية، ما سبقها أو ما تبع، فإن أفضل رئيس لبناني عندي كان الجنرال فؤاد شهاب، وأفضل رئيس عالمي كان شارل ديغول. قدرت وما زلت، العسكري فؤاد شهاب والمدني ريمون إده، خصمه الأول. الموقف ليس من البزة، بل من الرجل الذي يرتديها. أحببت ديغول، الذي أخرج فرنسا من نزقها الخارجي، ولم أحب نابليون الذي نجح في افتراس أوروبا. هذه كانت قناعاتي فتى، وهذه قناعاتي القوية اليوم.

الكاتب لا يغير التاريخ. كل ما يفعله أن يحاول قراءته في صفاء عقلي. والتاريخ، وكذلك الرجال، يخطئون ويصيبون. والعبرة في النتائج. أما القاعدة، فهي مدى اقتراب السياسي - مثل الرجل العادي - من المعايير الأخلاقية في لحظات الامتحان. ستالين كان مدنياً. وجورج واشنطن كان عسكرياً. في الحرب أحاط ديغول نفسه بأفضل جنرالات فرنسا. عندما أصبح رئيساً، استعان بأفضل المدنيين: كان صهره جنرالاً، وابنه أميرالاً، وقد ترك كلاً منهما في ثكنته، إلا عندما يأتيان مع الأحفاد أيام العطلة.
فؤاد شهاب كان نادراً بين المدنيين والعسكريين. اعتمد على فكر الأولين مثل تقي الدين الصلح، على نظامية العسكر مثل أحمد الحاج. كان أكثر رؤساء لبنان عملاً ضد الطائفية، والأكثر تقوى وصلاة. هكذا كان في البزة العسكرية وهكذا ظل في اللباس المدني. وكان ريمون إده يعارضه في الصباح وفي المساء، ناعياً الحريات، طالباً تجريد الضباط من أوسمتهم غير المستحقة في حروب لم تقع. وكنت مع ريمون إده. ليس في حربه ضد العسكريين، بل أيضاً ضد فساد المدنيين، وهو أسوأ وأعم وأكثر سفالة.
يكون الإنسان نفسه وضميره عندما يكون له علاقة في الشأن العام. أي أن تكون مع الصواب ضد الخطأ في الرجل نفسه، لا أن تؤيد عماء ولا أن تعارض عماء. بعض أقرب الناس إليّ عائلياً، كانوا ضباطاً معادين لفؤاد شهاب ولا يزالون. وما زالت الروابط لا تتغير، وكذلك المواقف، ولا ضير هنا أو هناك.
لم أدخل في حياتي حزباً أو جمعية أو نادياً، لكي لا ألزم ولا ألتزم. لا أريد أن أغير العالم وأرفض أن يفرض عليّ شططه وفظاعاته. وهناك مهام كونية كثيرة تركتها للزملاء يخبروننا عنها كل يوم. أنا مهمتي ومتعتي أن أدور العالم طوال النهار لكي أملأ هذه الزاوية. مع أصدق التحيات للوالد العزيز.