موسى برهومة

لا معنى لزيارة سعد الدين إبراهيم إسرائيل وإلقائه محاضرة في جامعة تل أبيب سوى إغماض العين عن جرائم الاحتلال، والسير عكس التيار، وإدارة الظهر للوجدان الشعبي، والتقليل من آلام الضحية الفلسطينية في لحظة أجمعت دولة العالم على نصرة الحق التاريخي لهذا الشعب المعذَّب.

أستاذ علم الاجتماع المصري شاء أن يبسط أمام الإسرائيليين، في مركز «موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا»، قرناً من الثورات التي شهدتها مصر منذ ثورة 1919 وحتى الآن، من دون أن يتفوّه بكلمة تناصر الحق الفلسطيني، أو تعارض قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

وربما غاب عن سمع سعد الدين إبراهيم، وغشيت عينيه العتمة، فلم يدرك أنّ ثمة صبية فلسطينية تدعى عهد التميمي معتقلة في سجن هشارون الذي لا يبعد كثيراً من مكان انعقاد المحاضرة، لكنّ مَن كان قلبه مقدوداً من الصخر، لا يقوى على الإحساس بمكابدات فتاة في السادسة عشرة من عمرها مقتلعة من حضن أبويها، مصفّدة اليدين، لأنها هتفت من أجل الحرية، وصفعت ظلم المحتل وغطرسته.

لن يكترث سعد الدين إبراهيم لهذه التفاصيل، فهو ذاهب إلى كيان صهيوني من أجل أن يبارك له «انتصاراته» في سفك دم الشهداء في مصر ولبنان والأردن وسورية وفلسطين. ولم يرفّ لإبراهيم جفن وهو يحدّق في كاميرا التلفزيون الإسرائيلي ليؤكد أنّ «موازين القوى الدولية تغيرت، ويجب أن يتغير كثير من المفاهيم، بخاصة أنّ هناك موجة من التغيير في العالم يجب على العرب أن يكونوا جزءاً منها».

ولعل الوهم جعل مدير «مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية» يرى في جرائم إسرائيل اليومية، وابتلاعها الأرض الفلسطينية، وعربدتها المتواصلة في المحيط العربي، تغيّراً في موازين القوى يستدعي من العرب أن تستسلم له، وترفع الراية البيضاء إيذاناً بتدشين العهد الإسرائيلي التلمودي الجديد المؤسَّس على جماجم الضحايا وصرخاتهم المخنوقة.

التغيير الذي يراه عالم الاجتماع المصري بعينين ورديتين، يضمر، كما يظن المرء للوهلة الأولى، انفراجاً في سلوك الدولة العبرية لجهة السلام الحقيقي الذي يعني تنازلها عن الأراضي التي احتلتها، والاعتراف بحقوق الضحايا وتعويضهم، وهذه أبسط أبجديات الإنسانية التي هي في صلب علم الاجتماع البشري القائم على الإنصاف والنزاهة والحرص على عدم إفلات المجرمين من العدالة والمحاكمة.

ليس جرياً معاكساً للتيار ما قام به سعد الدين إبراهيم، ولا مناكفة عُرف بها، بل جريمة أخلاقية فظة قصد من ورائها أن يرمّم الصورة الإسرائيلية المتشظية في أعقاب الصفعة الدولية التي تلقتها، بعد تصويت 128 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الشهر الماضي، لمصلحة قرار يدعو الولايات المتحدة إلى سحب اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، على رغم تهديدات ترامب بمنع المساعدات عن الدول المساندة للقرار، وهو ما لم يقوَ عليه إبراهيم، فوقف المساعدات الأميركية عنه يعني فناءَ مشروعه!

ولعل أكثر ما ينطبق على موقف سعد الدين إبراهيم، بيت الشعر الشهير:

«ما زاد حنّون في الإسلام خردلةً

ولا النصارى لهم شغلٌ بحنّون»

وهو يضاهي في المثل الشعبي: «على بال مين يلي بترقص في العتمة»، فالمجد يكتبه الأحرار، وأما الهراء فمطرحه معروف، وما أشدّ الرياح التي تعصف به!