سمير عطا الله

 كل عام تصدر «الإيكونومست»، أكبر وأهم مجلة في العالم، عدداً إضافياً خاصاً حول أحوال العالم المتوقعة في العام الجديد. لا بد أن إعداد هذه الدراسات العلمية قد استغرق فصلاً كاملاً، على الأقل من العام القديم. أي أنه قراءة للمستقبل القريب استناداً إلى الماضي القريب.

كنت في الماضي أقرأ «الإيكونومست» الأسبوعي كعادة، والعدد السنوي بلهفة. وكنت أجد في الأخير مواضيع تفيدني كصحافي وكاتب. ومنذ سنوات توقفت عن اللهفة. والآن أدخل المكتبة وألمح العدد الخاص وكأنني أرى مجلات كمال الأجسام وحمل الأثقال. لا علاقة حتى من باب الفضول.
لم أرَ مرة أن توقعات المجلة السنوية كانت حقاً من النوع الذي لا يعرفه أحد. ولم أجد مرة أن تنبؤاتها حول الاقتصاد، أو النفط، أو النحاس، أو القصدير قد صحت فعلاً. فعندما تتشاءم، استناداً إلى معطيات واضحة، تطل بدل ذلك موجة تفاؤل مثل طائر الوقواق الساخر ممن أمامه: كوكو كوكو. وأحياناً يحدث العكس، أي تتشاءم كثيراً، فيقرأ الوقواق ما تقول ويهتف كوكو.
ليس من العدالة، أو من الجدية، أو المهنية، التعاطي مع مثل هذا العمل الكبير بمثل هذه الخفة. فقد يصح مع خبراء المجلة مثلاً، ارتفاع موسم الذرة في الاتحاد السوفياتي، والحمضيات في فلوريدا، والبن في البرازيل. لكن ماذا لو خطر للإعصار «أورسولا» أن يقوم برحلة مباشرة من روسيا إلى أميركا إلى بلاد الأمازون؟
وإذا كان من الصعب التكهن بالطبيعة، فكيف بالبشر؟ هل توقّع «الإيكونومست» السنوي مثلاً أن 800 ألف رواندي سوف يقتلون بعضهم البعض بمجرد أن هذا «هوتو» وهذا «توتسي»؟ كلاهما أفريقي من بلد واحد، وأرض واحدة، ومعتقد واحد؟
لا شك أن البشر أكثر جنوناً من الطبيعة، وأقل رأفة. وغضبها بشع مثل الغضب البشري لكنه خال من العمد والثأر والتربص والترصد. لا يعني هذا أننا نريد «للإيكونومست» أن تلغي دائرة كبرى من دوائرها، أو أن تفقد مصدراً من دخلها المتعدد. نتمنى لها المزيد من الازدهار وهي تصمد في النجاح منذ عام 1843، أي نحو 175 عاماً، و17 رئيس تحرير، آخرهم السيدة سوزان منتون بيدوس، القادمة من أكسفورد وهارفارد، لتخرق جدار الصوت الذكوري في أكثر صحف بريطانيا حرصاً على التقاليد: مجلة بلا أسماء، بلا توقيعات وبلا صور. أشباح الصحافة الكبرى.