إبراهيم العريس 

لن يَقلق المخرج الأميركي ستيفن سبيلبرغ حين يبلُغه «النبأ الصاعق»: لبنان قرّر منع عرض فيلمه الجديد «البوست»، لكنه بالتأكيد سيدهَش لأسباب المنع، وفي مقدمها تبرعه لإسرائيل بمليون دولار فيما كانت تخوض حربها ضد «حزب الله» في العام 2006. ولكن، لا هو ولا نحن ولا أي صحافة عالمية عرفت بالخبر، فضلاً عن أن لبنان عرض له أفلاماً عدة بكل أريحية وودّ منذ ذلك الحين بلا منع ولا من يحزنون. وقبل كل شيء، سبيلبرغ هو اليوم واحد من ثلاثة أو أربعة مبدعين سينمائيين الأكبر في العالم، ناهيك عن أن لديه من الأموال ما يمكّنه من تجاوز البعد المالي للصدمة اللبنانية.

سبيلبرغ ليس الوحيد الذي تعرّض للمنع في هذا اللبنان الجديد الذي يبنيه «فرسان ممانعة» يبدو واضحاً أنهم متفرّغون لمثل هذه النشاطات «الجبارة» التي ستهزّ عالم السينما، ويبنونه على مزاجهم ويصولون ويجولون فيه منعاً وحظراً، من دون أن يشمل هذا الذي يفعلونه عشرات آلاف النسخ المقرصنة والمباعة للهواة الذين سيكون المنع قد فاقم رغبتهم في مشاهدة الفيلم، وهو للمناسبة، لا يدنو من الصراع العربي - الإسرائيلي قيد أنملة إنما يشكّل واحدة من أنقى التحيات التي توجّه إلى الصحافة في زمن بؤسها الشديد، كما أنه يرضي الممانعين ومن يقف وراءهم، إذ يوجّه إلى «الإمبريالية الأميركية» وإلى أكاذيب البنتاغون، ضربة معنوية قاسية عجزوا كلهم، ممانعين أو أنصاف ممانعين، عن توجيه مثلها.

وهذا المنع وغيره لم يعد يجدي في رحابة الفضاءات المفتوحة والإنترنت وما شاكل ذلك. وليس فيلم سبيلبرغ وحده «الممنوع» في لبنان الجديد هذا، لكن أهمية صاحبه في تاريخ السينما المعاصرة والمعركة الدونكيشوتية التي تُخاض ضده، تجعلنا نقلق مما يحدث في بلد ربما كان يسير، ولكن إلى الوراء، خصوصاً في مجال الحريات العامة وحق التعبير، في وقت يعيش العالم كله فورة إعلام تمكن كل إنسان، وأي إنسان، من مشاهدة وقراءة كل ما يريد، مهما كان حجم المنع و«موبقات» الممنوعين.