فاطمة آل تيسان

الساحة رحبة لمن يطل علينا برقصة أو أغنية أو تعليق ترافقه حركة استعراضية لا تحمل هدفا ولا معنى، وفي المقابل تجد متابعي هذا الحساب وصلوا إلى أرقام فلكية، وهنا الغرابة بالفعل

في المرحلة الحالية لم يعد المشاهير هم ذاتهم مشاهير الثمانينات أو التسعينات وحتى بداية الألفية الثالثة، ليسوا هم مشاهير الفن أو الأدب أو العلوم والطب، أو أي من تلك الشخصيات التي تنال شهرة واسعة في ذلك الوقت نظير إبداعها في مجال معين، مشاهير العصر الحالي أغلبهم لا يملك شيئا ذا بال، هم مشاهير الفضاء الرقمي الذي يفتح ذراعيه للغث والسمين، ولا يفرق بين النافع والضار، لذلك تجد أن تلك النماذج التي تعرض خصوصيتها على الملأ مشهورة، لأن البعض فضولي يستهويه التلصص على خصوصية الآخرين، فما بالك بمن يعرضها له برحابة صدر وبهدف التكسب، وبداية البعض في مجال الشهرة هكذا، يفتح الباب على مصراعيه لمن يريد أن يلج إلى حياته الخاصة، فيراه وهو يأكل ويشرب وينام، وما يتبعها من ممارسات خاصة جدا عرضها يخدش الحياء العام.
لكن وسط زيادة عدد المتابعين والمشجعين ينسى أو يتناسى أن الدين الحنيف قد أمرنا بالستر، هذه الفئة التي لا تحترم ذاتها في الأصل ووجدت في وسائل التواصل طريقا ممهدا لتصل إلى شرائح مختلفة يجمعها الفضول، وتضييع الوقت في متابعة ما يلبسه فلان وما تطبخه فلانة، المصيبة أن هذه الفئة أصبحت هي المؤثرة في النشء يتابعونها ليلا ونهارا، يقلدونها في تسريحة الشعر ونوعية الإكسسوارات وطريقة ارتدائها للملابس، بل ويتهافتون على شراء ما تعلن عنه في حساباتها دون تفكير، وهنا تكمن الخطورة، حيث إن هؤلاء باعوا حياتهم بمقابل وقبضوا الثمن، ومن ضمنه عقول جماعات وأفراد، لا هم لهم إلا متابعة ما يصدر عنهم من إسفاف، وهؤلاء يمثلون خطرا على مجتمعنا لا يقل عن خطر الإرهاب، لأن أولئك استطاعوا السيطرة على عقول متابعيهم وبالتالي من السهولة توجيههم حسب ما يريدون، وكم من الوقائع التي حدثت وصورت مدى هوس بعض الأشخاص وخاصة الشباب بمشاهير «السوشيال ميديا».
بطبيعة الحال هناك حسابات جيدة ويقدم أصحابها محتوى يستحق المتابعة، لكن في المقابل هناك كثرة للحسابات السيئة جدا، قبل أيام كانت هناك حملة في تويتر تحت عنوان «تبليك المشاهير»، كانت هذه الخطوة ضربة موجعة لمن كسب شهرته من لا شيء، وكذلك تعتبر يقظة لمن كان منقادا لما تعرضه هذه الحسابات دون أن يسأل نفسه عن الفائدة التي يجنيها من تلك المتابعة؟
ولسنا مؤيدين لتعميم فكرة أن كل المشاهير يستحقون الحذف أو إلغاء متابعتهم، فقط هم من يضحكون على الناس ويسرقون أوقاتهم، البعض قد يحتج من باب حرية الرأي، والأمر هنا ليس في إكراه الناس وتحديد ذائقتهم وفق وجهات نظر شخصية، الفكرة أن ما يفعله أصحاب بعض الحسابات بات مخجلا ومحرضا على ممارسات لا يقبلها مجتمعنا، أما ما يخص الحرية فهي مفتوحة إلا إذا تجاوزت الخطوط الحمراء، هنا على الجهات المعنية بمتابعة ما يعرض في هذه الحسابات أن تتخذ الإجراءات الصارمة في حقها، حتى وإن وصل الأمر إلى إيقافها، والحقيقة المرة هي سهولة الوصول عبر هذه النوافذ الرحبة مع ضعف الرقابة من الأهل على أطفالهم، ولن نقول أبنائهم في إيحاء إلى أنهم شباب أو مراهقون، بل نشدد على أن هناك أطفالا يظهرون من خلال هذه البرامج والمواقع وفي مشاهد تقتل براءتهم، وغير أن هناك من الآباء والأمهات من يدفع ويشجع أطفاله للظهور مستغلا طفولتهم في الحصول على مكاسب مادية أو حتى شهرة.
المصيبة أن من يستحق الظهور والشهرة من الأطفال المتفوقين والمبدعين مغيّبون تماما، الساحة رحبة لمن يطل علينا برقصة أو أغنية أو تعليق ترافقه حركة استعراضية لا تحمل هدفا ولا معنى، وفي المقابل تجد متابعي هذا الحساب وصلوا إلى أرقام فلكية، وهنا الغرابة بالفعل، وإما أن نكون متخلفين عن ركب الحضارة أو أن رؤيتنا للواقع محدودة ولا تقبل خيارات البعض الذي يُدخل كل ذلك في باب الفكاهة والترويح عن النفس، خاصة وبعض هؤلاء يرى أن لديه مقومات تؤهله للقيام بأدوار متعددة، منها إضحاك الناس، ربما عليه أو على أحد المقربين منه، وفي أجواء من البهجة والهرج والمرج، كما هو حال من تعرض نفسها وصديقاتها في جلسة صاخبة وفي مكان عام، ودون مراعاة لمن يشاركهن المكان وفي نهاية المشهد، تقول إنهن كن في احتفالية للترويح عن أنفسهن، الاحتفال حق مشروع ولكن الفوضى سلوك منفر للغاية وانتهاك لحرية من يتشاركن معهن المكان، لكن لأن بينهن شخصية مشهورة يتم التغاضي، وتقديم الخدمة بترحاب بالغ، ما نلمح له أن سلوكيات هذه الفئة متقبلة لدى الأغلبية ولا يستنكر أحد ما تفعله عكس ما كنا عليه قبل فترة وجيزة، عندما كان لكل شيء حرمته، والمبالغة تستهجن وترفض بل قد تصنف بأنها تعدٍ يحاسب فاعله، لكل ما يقوم به الفرد المشهور أولا قواعد وأنظمة وذوق عام يجب التقيد به، وفي حال خالف ذلك يجب إيقافه ومعاقبته لأن لغيره الحق في المجال نفسه، ومن حقهم ألا يصدر منه ما يؤذيهم، حتى وإن قال لمن يتابعني الحرية في البقاء أو المغادرة، لأن من يتابعونه ليسوا جميعا في مراحل عمرية وفكرية تؤهلهم لتقييم ما يصدر عنه بل أغلبهم في مرحلة التقليد والمحاكاة.