سمير عطا الله

 أقيم في الجامعة اللبنانية الأميركية، ببيروت، منتدى فكري استمر يومين حول جبران خليل جبران، كان خطيبه الرئيسي الدكتور فيليب سالم، ذا الشهرة العالمية. الاثنان، جبران وسالم، كل في حقله، يمثل شيئين: حجم لبنان الصغير والعثور على نافذة عالمية.

تتكرر عندي دائماً هذه اللازمة العبثية: ماذا لو بقي جبران خليل جبران في لبنان ولم يهاجر إلى بوسطن، ثم نيويورك؟ ماذا لو وضع كتبه بالعربية وتركها تباع على أرصفة بيروت مع الكتب المستعملة، ببضعة قروش؟ لا يزال «النبي» أحد الكتب الأكثر مبيعاً في العام منذ صدوره أوائل العشرينات. في حين أن كتب جبران التي صدرت بالعربية كان مصيرها مصير الكتاب العربي.
كان لبنان بلداً سيئ الحظ بضيقه الجغرافي، لكن حظه كان في أنه عثر دائماً على بلد «ملحق» له، يرسل إليه فائض المبدعين والخلاقين. لو لم تشتعل الحرب اللبنانية ويحمل أمين معلوف أطفاله الثلاثة إلى باريس، لكان لا يزال في «النهار»، يكتب أجمل المقالات، ولكن لجمهور عربي محدود، ولما فكر في الكتابة بالفرنسية. بالفرنسية التي لجأ إليها متأخراً، أصبح له جمهور عالمي، وها هو يتربع على مقعد الأكاديمية الفرنسية. أما في بيروت، فالأرجح أن طلبه للانتساب إلى النقابة لا يزال تحت الدرس.
نجح المهاجرون اللبنانيون باللغة العربية في مدن مصر، وبالإنجليزية في مدن العالم، وبالفرنسية وبالإسبانية في أميركا الجنوبية، ليس فقط في الفكر والأدب والرواية، بل في الصناعة والطب والتجارة والسياسة. وكما عرفوا النجاح عرفوا النقد. وأوائل القرن الماضي كانت دوروثي باركر تسخر من الروائي اللبناني وليم بلاطي كرمز للنجاح غير المستحق، ويتعرض رئيس البرازيل الحالي ميشال تامر للمساءلة بينما يتعرض اللبناني الأكثر شهرة، باولو معلوف، للملاحقة بالتهم المألوفة في أميركا اللاتينية.
كما هم في الداخل كما هم في الخارج: أخيار، وسوى ذلك. لكن الفضاء العالمي يعطي البارزين ما يستحقه أهل النجاح، بينما لا يزال الإطار الداخلي يخضعهم لقانونه. فقد رشحت الحكومة لمنصب مدير اليونيسكو سيدة غير معروفة، ورفضت أن ترشح الدكتور غسان سلامة، يحظى باحترام وتقدير وإجماع عالمي. ولم تكن الخسارة كبيرة على سلامة، فقد انتقل إلى منصب أممي لا يقل أهمية. لكن الذي خسر هو لبنان، الذي اعتاد أن يكون العالم الأوسع امتداده الطبيعي.